ليس مرضاً .. التوحد اضطراب جيني عصبي.. وسلوكيات تحتاج إلى التطوير وتأهيل قدرات التعلم
رغم اتساع دائرة الاهتمام به، والحديث عنه في وسائل الإعلام المختلفة، إلا أن هناك الكثير من تفاصيله، مازالت غامضة إلى الآن، ولا يمكن التنبؤ بها، ويفتقد الشارع السوري لفهم هذا النوع من الاضطرابات العصبية، وكيفية التعامل معها في الأماكن العامة، وحتى على مستوى العائلة أو الأسرة، كالأب والأم والإخوة والأقارب، لذلك فإن الأم هي من تتحمّل المسؤولية الأكبر في تطوير، وتحسين تعلم طفلها المصاب، وهنا لا بد من التأكيد على أن “التوحد” ليس مرضاً، وإنما اضطراب عصبي تتفاوت نسبته بين حالة وأخرى، كما تختلف الأعراض والسلوكيات بين المصابين به، وتتأخر العلامات التي تشير أن الطفل يحمل اضطراباً عصبي “التوحد”، فهي تظهر بعمر سنتين، وما فوق من خلال مؤشرات عدة، كالتأخر بالنطق، وعدم الاهتمام بالأصدقاء، وغالباً لا يكون لديه تعبير للوجه، كالابتسامة أو النظر للعيون، بالإضافة إلى العديد من المؤشرات الحسية والسلوكية
خطة علاج
البحث عن المراكز والمعاهد المختصة، هو أول ما يمكن للوالدين القيام به بعد اكتشاف اضطراب الأعصاب لطفلهم، ومعظم الأهالي يتوجهون إلى معاهد غير مختصة تماماً بهذا النوع من الاضطراب الذي يختلف كثيراً عن الأمراض العقلية، كالشلل الدماغي، وما شابه، ويعتبر مركز آمال متخصصاً بحالات التوحد، وتحديد الخدمة، والمساعدة التي يمكن أن تقدّم لطفل التوحد.. المشرف أنس الحلاق، أكد أن مركز آمال مختص بأمراض التوحد، وهو يضم 30 طفلاً، ويستقبل الأطفال الذين تتراوح أعمارهم ما بين السنتين وحتى أربع سنوات، وذلك بعد أن يتم فحصهم بشكل كامل من قبل أطباء عدة عينية وأذن، وفحصهم لغوياً ونفسياً وعصبياً من أجل تحديد المشكلة الحقيقية للطفل، والتأكد من وجود حالة “التوحد” لديه، وبعد ذلك تدرس حالة الطفل جيداً، ويتم وضع خطة للعمل معه على تطوير سلوكياته وقدراته ومهاراته في التعلم من قبل المدرسين المختصين، علماً أن المركز هو جمعية خاصة، حصلت على موافقتها من قبل وزارة الشؤون الاجتماعية، وتقوم على تعليم أطفال التوحد لتأهيلهم لمراحل الدمج مقابل أسعار رمزية جداً.
حالة نادرة
تكمن صعوبة “التوحد” في تنوع الاضطراب العصبي، ومستوى شدته، فهناك حالات قابلة للتطور بشكل كبير، حيث يخرج الطفل شبه طبيعي من المركز، وهناك بعض الحالات الشديدة التي يتعلم فيها الطفل، الاعتماد على خدمة نفسه دون مساعدة الآخرين.. الاختصاصي في التربية الخاصة شحادة زعيتيري، بيّن أن هناك حالة تعتبر نادرة في سورية، تدعى متلازمة “رد”، وتعد من أصعب حالات التوحد، لكن يتم التعامل معها من قبل المختصين مع دراسة هذه الحالة ومشكلاتها، ومدى تطورها، وأساليب التعامل معها، ويتابع زعيتيري: لا يوجد إحصائيات في بلدنا تدل على نسبة المصابين بحالات التوحد، لكن الإحصائيات العالمية تشير إلى أنه كل 60 طفلاً، يوجد طفل مصاب بهذا الاضطراب العصبي، وكل حالة مختلفة تماماً عن غيرها، إذ لا يوجد أسباب بيئية تسبب الاضطراب العصبي، لكنه عبارة عن اضطراب جيني في النمو العصبي للجنين.
نقص أوكسجين
تتداخل المشكلات التي تتعلق بطفل التوحد مع مشكلات عقلية، وهنا يجد الأهل صعوبة كبيرة في تحديد مشكلة أبنائهم وطريقة علاجها.. السيدة رشا محرز تقول: إن طفلها تعرّض لنقص الأوكسجين أثناء الولادة، ما سبب له “التوحد”، فهي قامت بجميع الفحوصات الطبية له، بالإضافة إلى التخطيط الدماغي، وتبيّن أن لديه شحنات زائدة في الدماغ، واعتقدت أن الشحنات الزائدة لدى طفلها هي التي تسببت بحالة التوحد لديه، وهناك العديد من حالات التوحد التي ترافق هذا المرض، لكن الاختصاصي في التربية الخاصة زاهر عز الدين، أكد أن الشحنات الكهربائية هي مرض دماغي، ونوع من الصرع، تنتج عنه حركات نمطية وروتينية، أي لا توجد علاقة ما بين الأمراض العقلية التي يصاب بها الطفل وما بين حالة التوحد، لكنها تؤثر بشكل كبير على مراحل تطوير وتعليم الطفل، وعندما تترافق هذه الأمراض مع حالة التوحد فإنها تزيد من شدته، فيكون التعامل معها صعباً إلى حد ما، وتكون النتائج متواضعة جداً لا تلبي إلا جزءاً صغيراً من احتياجات الطفل اليومية في حياته الخاصة كالاعتماد على نفسه في الأكل، واستخدام الحمام، وعدم إيذاء نفسه.
ثالوث التوحد
يعتقد البعض أن ثمة علاقة ما بين التوحد وبيئة الطفل المعزولة عن الناس، لكن زعيتيري يوضح بأن الطفل المحروم من فرص التطوير يفقد مهارات التواصل مع الآخرين، وقد يتأخر بالنطق أو المشي، إلا أن كل تلك المؤشرات لا تتعلق بحالة التوحد، وإنما هي مشكلة مرتبطة بالبيئة، إذ يمكن من خلال تدريبه وتعليمه استعادة جميع مهاراته وبسهولة، أما إذا ترافقت هذه الظروف مع حالة التوحد فتشتد صعوبة التعلّم لديه، ولعل أفضل طريقة للفصل ما بين حالة التوحد لدى الطفل والمشكلات الأخرى كنقص الأوكسجين، والشحنات الكهربائية، وظروف الحرمان البيئي، بحسب زعيتيري، هي ما يسمى بثالوث الأعراض المرتبط باضطراب مشكلة التواصل، واللغة، وحركات الجسم، والتفاعل الاجتماعي، حيث يتم تحديد نسبة التوحد حسب السلوكيات، لأن لكل حالة خصوصيتها، فهناك حالات متفاوتة الشدة بدرجة التأخر، والسلوكيات العدوانية، إذ إنه لا يجيد اللعب وركل الكرة، ويجد صعوبة في التعبير عن احتياجاته، وقد تظهر نوبات غضب شديدة، أو يكون هناك تضايق غير معروف السبب.
دور الأهل
يقضي طفل التوحد معظم وقته مع عائلته، ما يزيد من أهمية الدور الذي يلعبه في عملية التعليم، لذلك يعمل مركز آمال على مساعدة الأهل لتفهم حالة طفلهم، وتعلّم كل الأساليب والطرق العلمية التي يجب ممارستها معه، ويوضح عز الدين: نعمل على تنفيذ الخطة الفردية للتأهيل والتطوير مع الأهل، ونقل جميع الخبرات لهم للعمل مع الطفل في البيت، وتطبيق الخطة، حيث تتم لقاءات دورية معهم لمدة سبع ساعات يومياً، بالإضافة إلى دخولهم للصف، ومتابعة عمل الاختصاصي الذي يعتمد بدوره على غرف ووسائل حسب الحاجة، والاستعانة بالأساليب البصرية والحسية لتوصيل الأفكار لهم، ويتابع: هناك أدوات تعليمية تكنولوجية متطورة في هذا المجال، منها السبورة التفاعلية، وهي تساعد كثيراً في تعلّّم الطفل، لكنها غير موجودة لدينا، لذلك تتم الاستعانة بالقصص المصورة، والرسومات، وغير ذلك.
مشاركة هامة
يعمل المركز على توثيق كل حالة، وتفنيد ملاحظات الاختصاصيين التربويين عنها، ثم وضع الفروق العلمية بين الحالات، كما يقوم المركز بإعداد المتدربين في التربية الخاصة، أو في مراكز الطفولة، حيث يخضعون لتدريب ممنهج، علماً أن المركز يتعاون مع عدة جهات لتطوير العمل على مصابي التوحد كوزارة التربية، والتعليم العالي، وعلوم النفس الحركي، والنطق، واللغة، ووزارة الشؤون الاجتماعية، وغيرها من الجهات التي تعمل في هذا المضمار.
مراحل لاحقة
يتم تخريج الأطفال من المركز إلى مدارس الدمج، ومتابعة الكثير من الحالات، وهي تتراوح بين عمر 9 و 11 عاماً، وهناك نعمل معهم بطريقة الدمج الجزئي، وهو التزام الطفل بيوم واحد في الأسبوع للذهاب إلى المركز، ويؤكد عز الدين بأنه لابد من تهيئة المجتمع لمعرفة ماهية التوحد، وكيفية التعامل مع المصابين به، وعدم رفضهم وإقصائهم، ومحاولة إشراكهم في اللعب، وذلك ضمن استكمال عملية الدمج.
ميادة حسن