أغاليط من التاريخ.. المعلَّقات لم تُكتَب بماء الذهب ولم تعلَّق على جدار الكعبة

تابع الباحث أحمد المفتي محاضراته من سلسلة “أغاليط من التاريخ” هذه السلسلة القيّمة التي تبحث في صحة بعض ما ورد في كتب التاريخ وأصبحت معلومات متداولة، وكان الباحث المفتي قد بدأ بتقديم هذه السلسلة الشهر الماضي في مركز ثقافي أبو رمانة بتأكيده على أن رباعيات الخيام نُسِبَت إلى عمر الخيام وهي لم تكن له، وسيستمر الباحث المفتي بهذه المحاضرات ليقدم في كل شهر أغلوطة من أغاليط التاريخ.

الوصول للحقيقة

وبيَّن معاون وزير الثقافة د. علي المبيض الذي حضر المحاضرة أن وزارة الثقافة تسعى لنشر الثقافة وتوسيع دائرة المعرفة لدى المتلقي، ولذلك تحاول عبر مثل هذه الندوات أن تضيء شمعة، وأكدأن البحث عن الحقيقة والتدقيق في أية معلومة ليست من مهام وزارة الثقافة فقط، وأن الجميع معنيّ بذلك، مع إشارته إلى وجود شركاء للوزارة في توسيع رقعة المعرفة كوزارة الإعلام ووسائل الإعلام التي تنقل ما جاء في هذه الندوة لشريحة أكبر من الناس، وكذلك وزارة التربية من خلال المناهج التربوية ودورها في نشر الثقافة الحقيقية، موضحاً أن مثل هذه السلسلة تحرِّض العديد من الباحثين على البحث والتقصي، وهذا برأيه واجب على الجميع، حيث المطلوب دائماً التفاعل الإيجابي مع أية معلومة  للوصول إلى الحقيقة.

النفيس

وأشار أحمد المفتي إلى أهمية البحث والتدقيق بما ورد من معلومات في بعض كتب التاريخ وكانت تُعتَبَر صحيحة على مدار عقود وما زالت، والسبب برأيه يعود لقنوط باحثينا من البحث والتقصي، والارتهان لما تضمنته هذه الكتب وترسيخها في أذهان الناس كما وردت، لذلك فهو يسعى عبر سلسلة “أغاليط من التاريخ” إلى أن يسلط الضوء على بعض هذه الأغاليط كتناوله للمعلَّقات السبع والإشارة إلى أنها لم تُكتَب بماء الذهب ولم تُعلَّق على جدار الكعبة كما قال ابن عبد ربه الأندلسي وابن الكلبي، وأوضح المفتي في بداية محاضرته أن كلمة معلَّقة في اللغة لا تأتي بمعنى التعليق، فهي جاءت من كلمة علق، والعلق برأيه هو النفيس، والمعلقات السبع -البعض يقول أنها عشر- هي من القصائد العذبة التي تصف حياة الإنسان العربي في شبه الجزيرة العربية وهي من عيون الشعر العربي، وجاء في كتب التاريخ أن الشعراء كانوا يتبارون بأشعارهم في سوق عكاظ وهو من أشهر الأسواق التي كانت تقام في الجزيرة العربية وكان الشعراء يقصدونه فيلقون قصائدهم فيه، ويُقال أن عمر ابن الخطاب -وهو شاعر وله ديوان ضخم- كان يأتي لهذا السوق ويستمع للشعراء.

خرافة وأساطير

أما ما يقال من أن المعلَّقات كانت مكتوبة ومعلَّقة على جدار الكعبة فهو من باب الأساطير، وهو في الحقيقة ليس أكثر من تفسير فسَّره المتأخرون الذين لو انتبهوا إلى المواد المكتوبة بها ما لجأوا إلى هذا الخيال البعيد لأن دراسة مواد الكتابة التي كانت في عصر الرسول تثبت أن مواد الكتابة كانت بدائية، فالقرآن الكريم وهو أول كتاب كُتِب ودوّن كُتِب على العظام وسعف النخل، وبالتالي لا يمكن أن تُكتَب قصائد طوال كقصائد امرئ القيس أو زهير ابن أبي سلمى بماء الذهب لتعلَّق على الكعبة.. من هنا أنكر بعضهم القول بأنها معلَّقات كُتِبَت بماء الذهب وأنها عُلِّقت على جدار الكعبة أمثال شوقي ضيف الذي أكد في كتابه “الأدب الجاهلي” أن القول بأنها كُتِبت بماء الذهب وعلِّقَت على جدار الكعبة خرافة وأساطير لا يمكن أن ترقى إلى الحقيقة، وأنها قصائد شعرية من عيون الشعر وتصف الحياة العربية والبيئة ولا يرفع من قيمتها أو يقلل إن كُتِبَت بماء الذهب أو لم تُكتَب، وهذا ما يتوافق مع ما قاله حماد الرواية وهو أول من جمع القصائد السبع من أنها من أعذب ما قاله العرب وبلغت الذروة في اللغة والخيال والفكر والموسيقى ونضج التجربة وأصالة التعبير، وبالتالي يكفي -برأي المفتي- أنها علِّقَت في وجدان الإنسان العربي.. والمعلقات سبعٌ، تضاف إليها ثلاث لتصبح عشرة، والسبع هي : “قِفَا نَبْكِ مِنْ ذِكْرَى حَبِيبٍ ومَنْزِلِ” لامرئ القيس و”لخولة أطلال ببرقة ثهمد” لطرفة بن العبد و”آذَنَتنَا بِبَينها أَسـمَاءُ” للحارث بن حلزة و”مِنْ أم أَوْفَى دِمْنَةٌ لَمْ تَكَلَّمِ” لزهير بن أبي سلمى و”أَلاَ هُبِّي بِصَحْنِكِ فَأصبحيْنَا” لعمرو بن كلثوم و”هَلْ غَادَرَ الشُّعَرَاءُ منْ مُتَرَدَّمِ” لعنترة بن شداد و”عَفَتِ الدِّيَارُ مَحَلُّهَا فَمُقَامُهَا” للبيد بن ربيعة، وتضاف إلى تلك القصائد ثلاث أخرى هي: “ودع هريرة إن الركب مرتحل” للأعشى و”أقفر من أهله ملحوب” لعبيد بن الأبرص و”يا دار مية بالعلياء فالسند” للنابغة الذبياني.

أمينة عباس