ذمــــم للبيــــع
في الميدان، شكّلت واشنطن تحالفاً دولياً لمكافحة “داعش”، وكانت الغاية كما لمسناها على أرض الواقع أنه شكّل غطاء لتقدّم التنظيم التكفيري في مرحلة ما، ومنعشاً له عندما دخل طور الاندحار، أما الحقيقة الأبرز للتحالف الاستعراضي فكانت تدميره للرقة وتحويلها إلى مدينة أشباح، وقتل وتشريد الآلاف من أهلها وتركهم يواجهون مصيرهم دون أدنى مساعدة. وقبل نحو شهر شن نظام أردوغان عدواناً على عفرين بذريعة حماية الأمن القومي التركي، وتشير النتائج حتى كتابة هذه السطور الى سقوط أكثر من 500 مواطن بين شهيد وجريح وتدمير المرافق العامة، وفي حال استمرار القصف على ذات الوتيرة فإن المشهد في عفرين لن يكون أفضل حالاً من الرقة المنكوبة.
وفي السياسة، قيّم محور الحرب إيجاباً نتائج مؤتمر سوتشي، بعد أن فسّر تلك النتائج وفق ما يتناسب مع مصالحه وبما يخدم أجنداته في سورية، ما يعني أننا أمام سيناريو قادم لا يختلف عمّا حدث أيام جنيف، عندما أراد ذات المحور تفصيل نظام سياسي على مقاس مصالحه، وبما يحوّل سورية إلى دولة فاشلة، لا حول ولا قوة لها ولا دور، لتبقى إلى عقود قادمة ساحة لتصفية الحسابات، عبر إشعال الصراعات الداخلية وبث الروح في مرتزقة القتل الجوال.
جملة الأكاذيب لم تنته هنا فإحاطة دي ميستورا في مجلس الأمن كانت منحازة إلى محور الحرب، فتجاهل جملة وتفصيلاً العدوان الأمريكي والتركي وكذلك الإسرائيلي على سورية، وسلّط الضوء على ضرورة إيصال المساعدات الإنسانية إلى من أسماهم المحاصرين في الغوطة الشرقية، وهم ذاتهم الذين قصفوا بأكثر من ألف صاروخ وقذيفة هاون دمشق وريفها خلال الأيام القليلة الماضية فقط، ما أدى إلى ارتقاء 44 شهيداً مدنياً وإصابة 158 آخرين، جلهم من النساء والأطفال وطلاب المدارس والجامعات.
والأنكى من ذلك جملة المواقف الصادرة عن المفوضية السامية لحقوق الإنسان، والتي أكدت مجدداً ارتهانها للممول الأكبر في واشنطن، وخشيتها من صدور قرار عن ترامب يخفض تمويلها، كما فعل مع منظمات أخرى كالأونروا، عندما اتخذت موقفاً لم يرض الإدارة الأمريكية. وعلى ما يبدو فإن المفوضية السامية استوعبت الدرس، الأمر الذي جعلها تخرج ببيان يكشف تبعيتها لدوائر القرار في الغرب، وبيع القائمين عليها ذممهم في بورصة البترودولار العفن، لتصبح المنظمة التي يوحي اسمها بأنها تقدّس حق الإنسان في الحياة مجرد أداة للإيغال في سفك دم الشعوب المستهدفة، وعصاً تلوّح بها دول الاستعمار القديم الجديد للتدخل في شؤون الدول الرافضة للانبطاح والتبعية، والمتمسّكة بالسيادة والمحافظة على الهوية واستقلالية القرار. بعبارة أوضح سقطت تلك المنظمة أخلاقياً في ضوء ما صدر عنها من أكاذيب قلبت المشهد مقابل شيك مسبق الدفع، الأمر الذي جعل مصداقيتها في مهب الريح من جهة، وأثبت بما لا يدع مجالاً للشك أنه لا يمكن التعويل عليها في إنصاف الشعوب المظلومة، أو حتى اتخاذ موقف محايد في حال انعدام قدرتها على الفعل أو التأثير في حل الأزمات من جهة أخرى.
في جردة حساب لمجمل ما يحاول محور الحرب تمريره من أكاذيب في الميدان وفي كواليس السياسة، بالتزامن مع انخراط المنظمات الدولية في الحرب على سورية وارتهانها لأموال أمريكا والخليج وضربها عرض الحائط بالقوانين والأعراف الدولية، يثبت مجدداً صوابية نهج سورية، شعباً وجيشاً وقيادة، خلال سنوات الحرب، وكما استطاعت سورية قهر الإرهاب وتوجيه ضربة قاصمة لمجمل المشروع الصهيوأمريكي فهي قادرة على تفويت الفرصة على من يلعبون بورقة المنظمات الإنسانية لتكون مبرراً لتدخلهم في شؤونها، وذلك من خلال الاستمرار في المواجهة في الميدان العسكري وفي ميادين السياسة، وتعرية أكاذيب وأضاليل بائعي المواقف بالحجة والبرهان.. والتاريخ أكبر شاهد على ذلك.
عماد سالم