من باب الحلال والحرام!
إن كنا نشترك في الوطن كمواطنين بشكل خاص، ونشترك في الكرة الأرضية كبشر نعيش عليها سوياً بشكل عام، فيحق لنا القول إن الثروة التي تتراكم لدى أي طرف، لم تكن لتتراكم لولا جهودنا كلنا سوياً.
عود على بدء فأي غني مهما بلغ حجم ثروته، ما كان يصل إلى ما وصل إليه، إن لم يكن جزءاً من البيئة التي عاش فيها واستفاد كثيراً من البنى التحتية لهذه البيئة والخدمات التي تقدمها، وكل هذه تعد ملكية عامة.
وعليه فالثروة التي تسهم بصورة مباشرة في نمو الملكية العامة، أي تعود فائدتها في النهاية إلى البيئة التي بواسطتها تمكن أصحابها من تكديسها، تصبح نعمة وحلالاً، لكون جدواها وعائداتها الاقتصادية والتنموية والاجتماعية ستشمل الكل.
أما الثروة التي تصبح هي الغاية والوسيلة ولا تسهم في نمو الملكية العامة ولا تعود منافعها للبيئة التي ساعدت أصحابها على تكديسها، فلا شك تخرج من نطاق النعمة والحلال، لأنها بهذا المنطق والنتيجة تعكس حقيقة العقليات والنفوس الأنانية التي تتخذ من البيئة وما فيها وعليها وسيلة لتحقيق الثروة على حساب ما سبق ومهما كان الأثر المدمر لذلك، عقليات تقدم مصالحها الفردية على أية مصلحة وطنية عليا.
قد يستهجن البعض أن نتناول تكوُّن وتراكم الثروة، من باب الحلال والحرام، رغم أن مسألة الحلال والحرام لا خلاف حولها، بينما يظل مفهوم الثروة والثراء نسبياً وذاتياً.
ولعل ذلك الاستهجان له من المؤيدين المستفيدين، بطريقة مباشرة أو غير مباشرة، من مثل ذلك الصنف من البشر الذي راكم الثروات على حساب دم ولقمة الشعب، سواء بمساعدتهم أم بدونها، وسواء كانوا من العاملين في القطاع الحكومي أم غيره أم بكلاهما معاً، ينكر علينا حقنا في قرع ناقوس الخطر، للتنبه من تلك الثروات التي تتراكم وأخذ كل احتياطات الحيطة والحذر من أصحابها، ممن دخلوا محفل “حديث النعمة”، من الدهاليز والجحور التي أفرزنها الأزمة!.
أولئك المستفيدون الانتهازيون، ليسو أقل خطراً من ذلك الصنف الوصولي على بنى الدولة وبنائها، كونهم الأذرع المسهلة والميسرة لمثل تلك النوعية من حديثي النعمة، المتوقع أن يكون لهم كلمة وحضور قوي ومؤثر في توجهات القرار وحركة الأموال والأعمال..، بعد الخروج من الأزمة.
والأشد خطراً برأينا، أن تكون تلك الفئة (وهم ليسو بقليل أبداً) من حديثي الثروات، مؤكدة الشبهات في أساليب تكوينها وتضخمها، هي المتحكمة في إعادة تشكيل الطبقة الوسطى فكرياً وثقافياً ومالياً وحتى إنتاجياً، وهذه هي الطامة الكبرى.
طامة كبرى، إن لم نستطع تطويقها، وأولاً من خلال تفهم الأسباب التي أوصلتها لتكون كذلك -والتي يمكن أن نجد لها شيئاً من المبررات الموضوعية التي اقتضتها المرحلة- ومن ثم “تبييضها” وفق مبدأ “الضرورات تبيح المحظورات”، وصولاً للقدرة على تسخيرها بالشكل والمضمون اللذين ينعكسا فائدة عامة على الدولة والمواطنين وتعافي المجتمع، فمن البداهة أن تكون تلك الثروات طامة كبرى والعكس صحيح.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com