أنسام السيد: الإعلام مهمة وطنية أسرني شغفها منذ الصغر
منذ صغرها والحلم يراودها أن تكون إعلامية مما جعل أفراد عائلتها ضيوف حلقات لبرنامج خاص بها وفي حالة تأهب دائم للقاءات أمام “ميكرفونها”، وفي البداية اعتقدت أن الوقت كفيل بنسيان هذه الهواية -كونها بدأت منذ الصغر- إلا أن الإعلام بقي يجري في دمها، فحالة الشغف التي تملكتها تجاه هذه المهنة جعلتها تنظر إليها عندما كبرت كحالة من تحقيق الذات وإبلاغ رسالة، بمعنى أن هناك مهام نبيلة وسامية إذا لم نستطع تحقيقها لا يكون السؤال الوجودي مطروحاً علينا، ويجب أن نبحث عن سبل أخرى يمكن أن نعتمدها في تحقيق ذاتنا، فعندما نرغب بهامش من الهواية والموهبة والرغبة أن نعطي هذا العمل، يجب أن يكون هناك علاقة حرة وندية تحكم عملنا حتى نستطيع أن نقدم شيئاً يحسب لنا ونترك فيه بصمتنا.
أنهت الإعلامية أنسام السيد دراستها في الأدب الفرنسي واستطاعت باجتهادها الشخصي الانتقال في مجالات الإعلام، وبقيت في حالة غليان وثورة أفكار لتحقيق طموحها بأن تكون سفيرة حقيقية للإعلام السوري، وتصل مقدمة “بعد العرض” الليل بالنهار لتنجز كل أعمالها الإدارية والإعلامية، وفي كل حلقة منه تجد نفسها أمام امتحان حقيقي، إلا أنها وعدت نفسها من خلال برنامجها أن تكون صوتاً لمن لا صوت له.
وللوقوف على تفاصيل أكثر في تجربة الإعلامية أنسام السيد، كان هذا الحوار، وعن بدايتها في مجال الإعلام قالت:
عملت في البداية بشركة البريد السريع والبنك التجاري لفترة معينة إلى أن تم الإعلان عن مسابقة لمذيعات أخبار باللغة الفرنسية، وبعد دورات مكثفة من قبل جيل من أمهر القامات الإعلامية واختبارات ميدانية ومحاضرات وندوات ودورات أكاديمية، استطعت بعد عام الظهور عبر الإذاعة فهي مختبر حقيقي، والإعلامي يجب أن يكون إذاعياً قبل ظهوره على الشاشة، يتعلم من خلالها إتقان اللغة العربية ومهارة الصوت ومخارج الحروف ونطق الأحرف اللثوية. انتقلت من بعدها إلى التلفزيون، وكان أول ظهور لي في “مجلة التلفزيون” ومن ثم “صباح الخير” لمدة خمس سنوات.
وتضيف الإعلامية السيد: صقلت رحلاتي الإعلامية من خبرتي، حيث ذهبت إلى تونس من أجل دورة “cfb” في قناة فرنسا الدولية لصقل المواهب باللغة الفرنسية، وساهمتُ كمقدمة وصلة ربط بين الدول العربية في افتتاح منظومة “الفيسات- تدريب عن بعد بواسطة السكايب”، وقدمت سهرات في اليمن بعنوان “تحية من اليمن إلى سورية” وفي ليبيا سهرة عربية مشتركة، وكنت مع السيد الرئيس في بعثات إلى فرنسا وقمة المتوسط، بالإضافة إلى تغطية مهرجانات مع السيدة الأولى.
أمان إعلامي
طموحها أن تكون سفيرة حقيقية للإعلام السوري، وعن النظرة العامة للإعلام قالت:
يوجد اليوم نظرة مغلوطة إلى حد ما عن إعلامنا السوري، فنحن لدينا الكثير من الإعلاميات والإعلاميين ولكن ينقصنا آلية الإعلام وإستراتيجيته الحقيقية، علينا بذل جهد كبير لنستطيع الوصول -وهذا لا يعني أن نسيء إلى الكوادر والفنيين الموجودين-. في زمن الحرب لا بد أن تتخلخل المفاهيم والقيم وبالتالي تصبح رحلة البحث وإعادة الإعمار طويلة، في أغلب الأوقات نتكلم عن إعادة إعمار حجر، والأجدر هو العمل على إعادة بناء النفوس والبشر، لا أعرف إلى أي مستوى من النجاح نستطيع الوصول، ولكن إذا اتخذنا من المحبة للعمل والبلد والوطن قاعدة ومنطلقاً وبوصلة ومنارة بالتأكيد سنصل إلى أمان إعلامي، نحن دفعنا دماً وشهداء إعلام من أجل الكلمة والحق، ولا أتمنى أن يضيع هذا الدم أو تشوه صورة الإعلام، خاصة عندما يأتي أحد من الخارج ليقول “نحن لا نملك إعلاماً” وأنا أؤكد من خلال تجربتي أننا نملك كل أدواته إلا الإرادة والرغبة، فعندما يكون العمل مقترناً بالربح المادي فهو أشبه إلى التجارة والإعلام ليس تجارة، وإنما يجب التضحية بكل شيء من أجل الأهداف، لقد اطلعت على تجارب كبيرة مع الدول العربية ورأيت أنه لا ينقصنا شيء وبعد كل عودة من سفرة أقول “طوبى لإعلامنا القادر أن يستمر”.
وتتابع المذيعة المتألقة: اليوم لكي نضع يدنا على الجرح يلزمنا دعم وتقدير لطاقات الشباب التي تكون غالباً مهمشة، ورغم السواد الذي يحيط بنا إلا أن نور شمعة واحدة كافية لتنير بقعة ظلام مهما كانت كبيرة، سنبقى نحارب من أجل وجودنا على الأرض فحربنا اليوم هي حرب بقاء، كان باستطاعتنا الهرب والمتاجرة بالوطن والإساءة إليه مثل الكثيرين، إلا أنني لم أفقد الأمل بالقادم لأن بذرة الخير لن تنتهي من هذا البلد وواجبنا تغذيتها وتنميتها، لكي لا تغلب بذرة الشر والحقد.
اليوم لا نستطيع إلا التفاؤل وإن كنا سوداويين يكون قد انتهى دورنا، وعلينا الانطواء على ذاتنا والعيش خارج هذا المجتمع والتغريد خارج السرب، وأنا من جانبي أريد أن أكون ضمن هذا السرب، الذي جعلنا نبقى في البلد هو إصرارنا ومحبتنا، فالحرب كانت معلنة على الجميع بطريقة مباشرة وواضحة للعيان، واليوم يجب النظر إلى الخلف للتعلم من الأخطاء والحذر من الغدر، يجب تشغيل كل الحواس لعبور النفق المظلم، فالحياة ليست بعدد السنين وإنما بالدور الذي نأخذه في هذه الحياة، فاليوم ليست المهمة الحقيقية للإعلاميات والإعلاميين الاهتمام فقط بالشكل الخارجي دون السعي لصنع بصمة خاصة في الإعلام، فهناك شيء أسمى هو روح المثابرة وتقديم مادة إعلامية تحترم عقل المشاهد وترتفع بذائقته من كافة الجوانب، إلا أن المشكلة تبقى في كيفية توظيف الشيء الجيد في إعلامنا، وإعطاء الدور المناسب للشخص المناسب ودعمه بحق بعيداً عن تقديم الكم على حساب النوع. اليوم أصبح من غير المقبول أن يظهر مهندس على الشاشة فقط لأنه يحب ذلك، لم يعد هناك تخصص، وفي النهاية كل إنسان يقيّم بما يقدم لنفسه، وأنا لن أعمل إلا بما يمليه ضميري ويلبي الشاشة، لأنها شاشتنا الوطنية ونحن مسؤولون عنها وعن كل ما يقدم فيها.
بعد العرض
ترى الإعلامية أنسام السيد أن برنامجها “بعد العرض” هو سكنها وهاجسها، تقف أمامه كمعدة شرسة لا تملك حداً للوقوف عند معلومة، وعن البرنامج منذ بدايته لغاية هذا اليوم تحدثت:
تناوب على إعداد “بعد العرض” الكثير من الزميلات المعدات مع وجود بصمتي الخاصة في كل إعداد، إذ كان لدى المعدين آلية معينة أو “كليشة أسئلة” تنطبق على جميع الضيوف، يجب على المعد أن يعيش الحالة ويكون جزءاً من العمل ومحوراً أساسياً. في الحقيقة مر برنامج “بعد العرض” بفترات عصيبة جداً فمنهم من تخلى عنه ومنهم من اعتبره لا يضيف شيئاً، إلا أنني نهضت بالبرنامج الذي كان يحتضر ولم أدعه يموت وأخذته على عاتقي وأصبحت المعدة والمقدمة فيه، كنت أتردد كثيراً في أخذ الإعداد لأنني قاسية على نفسي، لم أكن أقبل بنص إلا إذا أعدت إعداده للمرة الثانية وأضيف إليه من روحي، وهذا كله صقل معرفتي وثقافتي، وكلما نجحت أكثر كلما زاد الخوف والمسؤولية، واعترف أنني تعبت كثيراً على نفسي، وفي كل حلقة من البرنامج أكون أمام امتحان.
منبر
وعن تنوع الفنون في برنامج “بعد العرض” بعد أن كان مختصاً بالدراما قالت:
هذا التنوع يزيد من الأعباء، وفي الكثير من الأحيان ننطلق من كلمة أو مفردة ولكنها تحمل بحراً من المعاني، من خلال متابعتي للعمل الدرامي المكون من 30حلقة والسهر طول الليل وتحليل شخصيات العمل لكي استنبط أي شيء يخدم البرنامج، واليوم أرى أن برنامج “بعد العرض” هو منبر حقيقي لكل الإبداعات السورية، ويمكن أن يكون لأشخاص لا يملكون صوتاً فقد وعدت نفسي أن أكون صوت من لا صوت له، والدراما هي أكبر مسرح للواقع، وبرنامجي باب مفتوح لكل من يريد أن يعطى حقاً ليقدم عمله الذي يشتغل عليه ويأخذ حقه، وقد وسعت الآفاق في “بعد العرض” ليشمل أي أمسية موسيقية أو مسرحية وجوقات أطفال، وأنا دائماً بحالة تطوير وتجديد للبرنامج، وهذا يتطلب أن أكون ملمة بكل اختصاصات الفنون وحضور كل الفعاليات.
في الحقيقة، هناك الكثير من الشباب الذين أستضيفهم يعززون مفهوم الحياة والأمل والاستمرارية ورفض ما سببته الحرب. وما أشيع من أقاويل أن معظم الشباب في المقاهي أنا أعترض عليه وأقول أنهم موجودون في الموسيقى والفنون أكثر من كثير من النجوم الكبار فهم كالجنود الذين يدافعون عن الحق. وأحياناً أنتقد لأنني أستضيف أشخاصاً بسويات مختلفة لكن أليس هؤلاء من نسيج المجتمع السوري؟، أليس من حق الشباب أن يُسلط الضوء عليهم؟، هناك أشخاص يعطون ويبدعون لهذا البلد وهم أكثر وفاء وانتماء ومهارة من نجوم أخذوا حقهم، لكنهم في سنوات الحرب ابتعدوا عن الشاشة وتعالوا عليها، وكل إنسان من حقه أن يرى نفسه نجماً كبيراً ولكن أن يتعالى على الناس هو الخطأ.
خطة جديدة
ويحمل برنامج “بعد العرض” طابعاً نقدياً ويحدث حالة تغيير أو إصلاح من خلال المحاور التي تطرح فيه، وعن وجود خطة جديدة للبرنامج نوهت السيد:
ليس هناك خطط واضحة وإنما تدعيم للخطة الثابتة، وأنا أرى أن أي فكرة جديدة ستكون مكررة أو مقلدة، فالبرامج أصبحت تشبه بعضها ولا يوجد فيها شيء إبداعي أو يشد الانتباه، والدعائم الأساسية موجودة في برنامجي “بعد العرض” فهو مشروعي وأي تطور سيكون بمثابة هوية للبرنامج الذي يعتبر منبراً حقيقياً لكل الصرخات والنداءات والتمنيات والطلبات، ووسيلة لإيصال الأصوات المخنوقة وحبيسة الجدران، وأنا بدوري ألمس الصدى من خلال اتصالات أشخاص يريدون تبرير وجهة نظر معينة طرحت في البرنامج وهذا دليل أنه متابع وله حضوره وتأثيره، ومن إحدى مسؤولياتي إيصال الأمانة. لا أنكر أن هناك جرأة في الطرح فأنا استضيف الأشخاص بهدف المساعدة وتغيير واقع معين، في البرنامج هناك رسالة موجهة، اليوم أنا أبحث عن بعض المحاور والضيوف، ولكن من يبحث عني ليشارك في البرنامج أكثر، وهنا ألتمس نتيجة التعب وأحصدها، وأنا أزرع منذ سنوات واليوم حان موعد الحصاد.
جمان بركات