عقليات الخسارة الرابحة
هناك مقولة استثمارية معروفة في السوق تقول: “الاستثمار في مؤسسة أو شركة ذات إدارة جيدة وسوق تعاني هو أمر مقبول، لكن من الخطر الاستثمار في شركة ذات سوق جيدة وإدارة سيئة”؛ فهذه واحدة من أهم قواعد الاستثمار في السوق.
في سورية لدينا شواهد عديدة لمؤسسات ولشركات تعمل في قطاعات جيدة لكن الإدارة سيئة؛ لذلك شهدنا هبوطاً كبيراً في أرباحها إلى حد الخسائر، وعلى النقيض من ذلك لدينا شركات – وإن كانت قليلة- تعمل في قطاعات ربما لا تكون واعدة، ومع ذلك حققت أداء لافتاً، وذلك بفضل الإدارة الجيدة.
عطفاً على ما سبق تزداد أهمية اختيار الأشخاص المناسبين في هذا الوقت وبهذا الوضع الاقتصادي الذي نمر به، إذ كثير من الثوابت الاقتصادية والأعراف في السوق تتغير تغيراً قوياً يرافقه تزايد الصعوبات؛ تغيير يبرز أهمية الإدارة ذات الكفاءة في تحول وتحويل المؤسسات أو الشركات وقيادتها من أداء متعثر إلى أداء قوي ونمو مستدام في الأعمال والمبيعات والنتائج.
سابقاً كانت عديد من مؤسساتنا وشركاتنا تتمتع بحد من النمو والأداء “الجيد” بوجه عام؛ ليس لحسن أدائها وإداراتها، وإنما بسبب الأداء “الإيجابي” للسوق والاقتصاد عموماً، أما اليوم فكل شيء تغير، إذ لا مكان للإدارة ذات الأداء العادي أو المتوسط، بعدما ارتفعت المنافسة وتغيرت التكاليف، واختلف الدعم وأصبح موجهاً بدل ما كان “مطلقاً”، وأخذ التنافس على الكفاءات يشتد.
في هذا المناخ تطالعنا نتيجة هامة مبنية ومستندة إلى دراسة اقتصادية وتحليلات وبحوث علمية خلص إليها باحثان اقتصاديان عالميان؛ تقول النتيجة: إن من يملك العقليات ذات النمو (وفقاً لـ دويك) ، والانضباط في الأداء والتواضع (وفقاً لـ كولينز)، والتحفيز من خلال الإنجازات، ومعرفة الهدف والغاية، والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة سيحقق التغيير، والتحول من المقبول إلى الجيد فالعظيم.
كارول دويك أصدرت كتاباً مميزاً اسمه “العقلية” ، بينت فيه نوعين من العقليات: الأول عقلية الثبات، والآخر عقلية النمو، الأول عقلية الأشخاص الذين يعتقدون أن القدرات الشخصية ثابتة وصعبة التغيير، على حين – وعلى النقيض- تؤمن عقلية النمو أن القدرات والمميزات الشخصية قابلة للتحسن مع الوقت والعمل.
تطرقت الكاتبة إلى تأثير عقلية النمو في الشركات من خلال الرؤساء التنفيذيين، وكيف أنهم استطاعوا قيادة مؤسساتهم إلى النمو عبر الزمن، على حين قادها ذوو العقليات الثابتة إلى الأسوأ، وفي أفضل الحالات لم يحققوا نجاحاً يذكر.
قد يعتقد الكثير أن هذا الاستنتاج بديهي وسهل، وأن الأغلب يملك عقلية النمو، لكن الواقع أصعب بكثير، والنتيجة كانت صادمة وفقاً للكاتبة.
بالمقابل ذكر جيم كولينز في كتابه الشهير “من جيد إلى عظيم” نتائج دراسته التي عمل عليها سنين محاولاً الإجابة عن السؤال الآتي: لماذا هناك شركات كانت تعد جيدة ومع الوقت أصبحت عظيمة؟
وليحصل على الجواب قام بدراسة 1435 شركة، راجعاً إلى أدائها على مدار 15 سنة؛ حتى وجد أن هناك 11 شركة فقط حققت النجاح بحسب المعايير التي وضعها، والتي منها أن تكون الشركة قد حققت عوائد في قيمة أسهمها أعلى من السوق بمعدل ثلاثة أضعاف على الأقل خلال مدة الـ15 سنة.
ولكي يعزل أثر تطور القطاع الذي تعمل به ألغى ذلك الأثر عنها، فمثلاً لو كانت الشركة تعمل في قطاع انتعش بالكامل وشهد ازدهاراً استثنائياً لأي سبب كان، فلا يعتد به. النتيجة كانت مفاجئة، حيث ضمت القائمة شركات غير معروفة أو غير متوقعة.
في كلا الكتابين وصل الباحثان إلى أن العنصر البشري أهم عنصر لنجاح الشركات، وهو من يقود الشركات من المستوى المقبول إلى الجيد ثم للعظيم، و هو نفسه قد يقودها من العظيم أو الجيد إلى الإفلاس.
طبعاً هناك عوامل أخرى، لكن كلها تأتي بعد العنصر البشري أو بعد الإدارة الممتازة، فحسب كولينز: إن من أهم صفات الرؤساء الناجحين الانضباط والتواضع.
فالغرور هو عدو النجاح ومهدم الشركات، على حين مع التواضع يأتي حب التعلم والتطور وعدم الخجل من الاعتراف بالجهل في بعض المواضيع، أو الخجل من الاعتراف بالأخطاء الإدارية وغيرها، فكم من شركة انهارت بسبب غرور الإدارة التنفيذية وعدم اعترافها بالتقصير أو خطأ قراراتها..!
حقيقة رغم أنها مؤكدة، لكن هناك من لا يزال يضرب عرض الحائط كل ما تقدم؛ لأنه يغوى “الخسارة الرابحة “، فهل تعلموا ما هي..ولمصحة مَنْ..؟!!.
لعله من المؤكد أننا في مرحلة أصبحنا بأمس الحاجة لكُتَّاب وكتب تبحث في ما ورائيات تلك العناوين، في ظل الإصرار على عدم الاعتراف..!؟.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com