“كاريس بشار” عندما يُمثل الجمال السوري
لا تميل الممثلة السورية “كاريس بشار”-1976-للتعاطي مع فرق التصوير، الأمر الذي ينسحب أيضا على الوسط الفني بشكل عام؛ من يعرفها أو اشتغل معها، يصفها بأنها جادة حد الإفراط، تأتي إلى موقع التصوير، كمن يدخل مكانا مقدسا، تحافظ على مسافة من الجميع، وتلتزم بأعلى معايير المهنية في العمل، تحضّر دورها جيدا، تفهمه، تحفظ الورق، وتقرأ جيدا ما بين السطور، وعندما تأتي لحظة (الأكشن) تنهض بخطى واثقة، وترتدي الشخصية بسهولة من يرتدي عباءة أو يضع وشاحا، ثم يبدأ الأداء المبهر المعروف عنها.
في مسلسل “رجال تحت الطربوش” (فؤاد حميرة-هشام شربتجي” لعبت دور الزوجة المضحية والمضطهدة، وفي “ليس سرابا” (فادي قوشقجي-المثنى صبح) أدت دور العاشقة ببراعة، وفي “أهل الراية” (أحمد حامد –علاء الدين كوكش” كانت الشخصية الشريرة، وفي أي دور تظهر فيه، يكون دورا مختلفا ولا علاقة له بالدور السابق، بل هو جديد تماما، إن كان في الأداء أو في طبيعة الشخصية التي تتناولها.
في مجتمع درامي تلفزيوني، يُعرف معظم المخرجين فيه، بأنهم لا يهتمون بالاشتغال على الممثل، ويكون جل تفكيرهم منصرفاً إلى الكاميرا-وفي بعض الأحيان بعضهم لا ينشغل لا بالأداء ولا بالكاميرا، مما يجعلهم يتجهون فورا إلى ممثلين نمطيين بقوالب فنية جاهزة أيضا، فالأب القاسي وربة المنزل والفتاة اللعوب والشرطي وغيرهم جاهزون حسب الطلب ومكرسون كأدوار، في مجتمع مهني كهذا لا بد أن تكون المهمة التي واجهت هذه النجمة في مسيرتها المهنية صعبة جدا، فقد نجحت بأن تكون الممثلة لأي دور مهما اختلف ومهما كان صعبا، وفي محاولة فهم البراعة التمثيلية عندها، يمكن التوقف عند نشأتها الفنية، ولا يعني هذا اشتغالها في بداية حياتها الفنية، مع أسماء كبيرة مثل “دريد لحام” و”ياسر العظمة”، بل بالرجوع إلى ما قبل ذلك، عندما مكثت في مختبر تمثيلي جاد وصارم وقاس، لثلاث سنوات، وهو فرقة زنوبيا للفنون الشعبية!.
قد يبدو الكلام عن فن الرقص بعيدا عن التمثيل، ولكن بافتراض أن الرقص كفن هو الأصل التجريدي لفن الإيماء والذي هو بدوره أساس وجوهر فن التمثيل،فالإيماء الذي يتعلمه الراقص بشكل طبيعي وتلقائي وهو يرقص موائما بين حركة جسده وتعبير وجهه، هو أساس فن التمثيل، ويُعتبر الحالة التصويرية للحالة التجريدية التي هي الرقص، ومن هنا يمكننا أن نفهم تلك البراعة العالية في الأداء الذي تقدمه “كاريس” في الشخصيات التي تؤديها، فيأتي أداء صحيحا متناسبا وبشكل عفوي وطبيعة الدور، وينطبق عليها ما تصفه العامية بالقول “لابسها الدور لبس”، ولهذا ببساطة كاريس نجمة متألقة في فن التمثيل عند الجمهور، الذي يتابع أعمالها وينتظر جديدها في كل موسم.
“سعدية” في “ليالي الصالحية” (سلمى اللحام- بسام الملا) كانت الشخصية الفارقة في الحياة المهنية ل “كاريس” فطبيعة الدور الصعبة والمركبة التي تتطلب منها في لحظة أن تكون طفلة ولحظة أخرى امرأة طيبة ولحظات أخرى ربة المنزل مع عدم نسيان أنها امرأة حقودة، جعل المخرجون ينتبهون إلى قدرتها العالية على التنويع في الأداء، فلم تعد تسند إليها أدوار الفتاة الجميلة والطيبة، بل صارت بتنوع أدوارها وغزارة الشخصيات التي قدمتها، من فنانات الصف الأول محليا وعربيا، فهي بما وصلت إليه من خبرة في الأداء، تستطيع أن تؤدي أي دور وببراعة، عدا عن كونها لا تقف عند تفصيل سطحي تقف عنده العديد من “الممثلات” وهو الظهور دائما بأبهى “طلة” فالشخصية المكتوبة عندها، هي من تفرض عليها كيف تكون وكيف تظهر، حتى أنها ظهرت في واحدة من لوحات السلسلة الدرامية الشهيرة “بقعة ضوء”، بشخصية المرأة القبيحة جدا، فهي تدرك مهنتها وتعلم كيف تزداد خبرة في الأداء مع كل تجربة فنية تقدمها، حتى صار في رصيدها المهني قرابة ال100عمل درامي تلفزيوني، ثلاث تجارب مسرحية و5 سينمائية.
لا تحبذ “كاريس” الظهور الإعلامي، فمن النادر تقريبا وجود لقاء أو حوار معها، ولها في ذلك حجتها التي أوضحتها في واحد من التصريحات النادرة لها منذ سنوات، بعد أن عوتبت على عدم ظهورها في لقاءات وبرامج فنية أخرى كما يحدث مع معظم الممثلين، خصوصا وأن الجمهور يحب أن يعرف بعضا من جوانب الحياة الشخصية للفنان الذي يحبه، وقالت في هذا الشأن: “شو بدهم بحياتي، وشو بدي اطلع قول عن حياتي وقصصي، أنا عم أدي شغلي وليش حتى أطلع احكي وأضطر أحياناً للكذب على العالم، وأقول أشياء عكس قناعاتي، لأنه في اللقاءات الإعلامية الفنان كثيراً ما يضطر إلى أن يجامل وهذا ما لا أستطيع فعله، بالتالي صراحتي قد تجرح، وكي لا أجرح أحداً أفضّل البقاء صامتة” الشأن الذي لم يكن كلاما فقط، بل وفعل أيضا، مع حفاظ كامل على حياتها الخاصة التي تعنيها هي فقط، وهي بذلك تجعل الجمهور الذي يحبها، يشتاقها وينتظر بشغف إطلالتها في عمل درامي جديد، تؤدي فيه شخصية مختلفة عن سابقاتها، كما عودته.
كاريس بشار فنانة سورية من طراز متفرد قائم بحد ذاته في فن الأداء، كما هي في الحياة، أنها مخلصة لمهنتها التي صارت فيها من الأرقام الصعبة وخلال فترة قياسية.
“كاريس” ليست من عائلة فنية، كما أنها عاشت مع إخوتها السبعة في بيت العائلة، لم يكن والدها موافقا على انضمامها إلى الوسط الفني، لذلك رفض أن يعطيها اسمه وكانت تظهر باسمها الأول دون كنيتها “كاريس”إلا أن الحياة عادت إلى طبيعتها بين الأب وابنته، وصارت تظهر باسمها الكامل: النجمة السورية “كاريس بشار”.
تمّام علي بركات