“أماسي” تكرم كويفاتي وبسيليس
“ليست الوطنية أن نبقى في سورية ونقول لم نغادرها، الوطنية أن نعمل في زمن الحرب”بهذه المفردات بدأ الموسيقار سمير كويفاتي المتميّز بروح الموسيقا الكلاسيكية والمتأثر بخصوصية موسيقا الرحابنة لقاءَه مع جمهور أماسي بإدارة الإعلامي ملهم الصالح في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- بحضور الفنان دريد لحام الذي ارتبط معه كويفاتي بعلاقة حميمة. واستحوذ كويفاتي على مشاعر الحاضرين بروحه المرحة وجرأته وقوة الردّ التي يمتلكها مما شدّهم إلى اللحظة الأخيرة من الأمسية.
التكريم في الوطن
وكرّمت وزارة الثقافة ممثلة بمعاون وزير الثقافة د. علي المبيض الموسيقار كويفاتي والسيدة بسيليس بتسليمه درع التكريم، وتحدث عن خصوصية الموسيقا التصويرية التي ألّفها كويفاتي على صعيد الدراما التلفزيونية وصولاً إلى أعمال أيمن زيدان وأهم أفلام باسل الخطيب وأعماله الدرامية وغيرها، ودوره بالتلحين وتشكيله مع الفنانة ميادة بسيليس ثنائياً رائعاً للفنّ الراقي، وبيّن المبيض أن الحرب رغم بشاعتها تخلق الإبداع واستشهد بهوميروس الذي ألّف الإلياذة، وبيكاسو الذي جسد الحرب بلوحاته.
وأوضح الإعلامي والناقد ملهم الصالح بأن فنّ كويفاتي نشأ من رؤى وأفكار شكّلت مضامين في كل ما قدمه، وأوجد مزيجاً يجمع بين الموروث والمعاصر والذاتي مما أوجد خصوصيته، وخلال تجربته لأكثر من أربعة عقود أخلص للهجة والهمّ السوري وآمن بالعمل الجماعي.
ثم عرض الصالح فيلماً تعريفياً بدأ منذ ولادة كويفاتي في حي سليمانية عام1960 وحظي باهتمام والده الذي شُغف بتسجيل الموسيقا الشرقية القديمة، واهتمام والدته بتشجيعه على تعلم البيانو، وركز الفيلم على العلاقة الإنسانية التي ربطته مع الراهبة التي علمته العزف، وعن الدور الذي تقوم به الكنيسة برعاية المواهب، ليلتقي مع ميادة بسيليس حينما كانت في العاشرة من عمرها عن طريق المطران كابوتشي ويعجب بصوتها وبأدائها التراتيل البيزنطية الصعبة بأسلوب صحيح، فبدأت النواة الأولى بينهما بتشكيل الكورال.
تأثره بالرحابنة
وتابع كويفاتي حديثه عن دراسته الموسيقية في المعهد الموسيقي ومن ثم دراسته على يد مجموعة من الأساتذة منهم نوري إسكندر وفاضل سراج. ليتوقف مع الصالح عند المرحلة الأولى عام 1978 حينما كان يستحضر مسرحيات فيروز ويقدمها في حلب، ويعود ذلك إلى تأثره بوالدته -الزحلاوية- وقضائه فترة الصيف في لبنان لحضور المهرجانات، وتحدث كويفاتي عن هذا العمل الذي يعدّ من الذاكرة لعدم وجود تصوير آنذاك فقدموا ناطورة المفاتيح وجبال الصوان.
المرحلة الثانية بدأت مع الخدمة الإلزامية في نادي الرماية في دمشق فعزف ليغني فؤاد غازي وجورجيت صايغ وغيرهما، وبعد نهاية الخدمة سافر إلى قبرص وتعرّف عن قرب إلى عصام رجي.
المنعطف الهام في حياته كان بدخوله نادي حلب منذ 1985حتى إغلاقه بسبب الحرب الإرهابية عام 2011، ليمضي بتوازن موسيقي بين الموسيقا الكلاسيكية التي يعزفها على البيانو ثلاثة أيام ، لتلتقي مع عزفه المعاصر ثلاثة أيام، ومن خلاله تعرّف إلى كبار الشخصيات الثقافية والفنية، منهم المخرج العالمي مصطفى العقاد الذي كان يطلب منه عزف أغنية”أنا قلبي لك ميال”.
هوية الأغنية السورية
وانتقل الصالح مع كويفاتي إلى مرحلة المسرح الغنائي ودخوله مهرجان الأغنية السورية الذي كان بمثابة انطلاق الأغنية السورية منذ دورته الأولى مع شاكر بريخان، ليدخل المهرجان تطوراً متصاعداً بإدارة الفنان الكبير دريد لحام عام 1995 لسبع دورات متتالية، ليرتبط معه كويفاتي بعلاقة حميمة فنياً وإنسانياً متوقفاً عند تأثره بمسرحية غربة ومن ثم تأليفه على الإيقاع الحزين”الهمّ راكبنا” وأشاد كويفاتي بالتزام دريد لحام بفنية الإدارة وبحثه الذاتي عن المواهب، وعمله على إضافة شيء جديد في كل دورة ليصل إلى أغاني الأطفال وتشكيل البانوراما الغنائية، لتأخذ في كل دورة نمطاً غنائياً من التراث إلى الدلعونا إلى اللالا، متوقفاً عند بانوراما الورد التي كانت نقلة موسيقية نوعية فرضت حضورها في المهرجانات العربية، وتحدث كويفاتي عن أهمية مهرجان الأغنية السورية الذي قدمها باللهجات السورية عكس ما يحدث الآن بتقديم الأغنية اللبنانية والمصرية.
الموسيقا التصويرية
المحور الثاني الذي ناقشه الصالح مع كويفاتي هو دخوله عوالم تأليف الموسيقا التصويرية منذ عام 1992مع أستاذه نوري إسكندر ليصبح شريكه فيما بعد، فاستعرض الصالح شهادة اسكندر من السويد الذي تحدث عن ذكرياته مع كويفاتي في الموشحات والمواويل والأغاني.
وبعد قلوب خضراء والمهر الدامي وغيرها دخل كويفاتي تطوراً جديداً بالموسيقا التصويرية بالتترات مع غناء الشارات بصوت ميادة بالتعاون مع أيمن زيدان بأخوة التراب ونساء صغيرات واختطاف، وصولاً إلى هولاكو، ومؤخراً أيام لاتنسى.
وعلى صعيد السينما كانت موسيقا فيلم الآباء الصغار مع الفنان دريد لحام بالفيلم المحمّل بمقولات هامة تطوراً لتتابع الكثير من الأفلام السينمائية وصولاً إلى أهم أفلام المخرج باسل الخطيب منها فيلم الأب إضافة إلى أعمال درامية تلفزيونية.
شكّل كويفاتي مع ميادة بسيليس ثنائياً فنياً امتزج بالتلحين لأغلب أغنياتها إضافة إلى كتابة بعضها، ليتوقف عند الشهيد الحي سمير طحان الذي كتب أجمل أغنيات بسيليس وقدم من فرنسا شهادة مؤثرة بكويفاتي وبسيليس.
ولم تخل أماسي من توجيه الصالح نقداً له بأنه احتكر بسيليس فنياً ليستشهد بتجربة الرحابنة مع فيروز حينما انتقوا لها كبار الملحنين منهم محمد عبد الوهاب، هذه المقارنة أثارت كويفاتي ووصفها محتداً بالخاطئة لعدم وجود قامات لملحنين بالساحة الفنية تقارن بأسماء الملحنين العظماء، وتابع بأن بسيليس تعاونت بمجال التلحين مع نوري إسكندر بقانا ومع فتحي الجراح بعدة أعمال منها”يارجائي وياليالي”.
وكانت مفاجأة الصالح التي أثارت أيضاً كويفاتي هي شهادة فتحي الجراح الذي تحدث فيها عن تلحينه خمسة أعمال لبسيليس، وأوضح بأن ألحانها كانت مختلفة جاءت بروح النفس الشرقي الذي كان سائداً بالأربعينيات والخمسينيات ليسمع الجمهور صوت بسيليس بنمط آخر، منها”يانديم- طيب خليك” واعترف بأن الأغنية التي أحدثت خلافاً بينهما “يا ليالي” غناها عدد من المطربين فيما بعد.
واختتم الصالح الندوة بالصوت الدافئ للإعلامية هيام حموي التي وصفت سمير كويفاتي “بدهب حلب لايتغير” والذي كان بموسيقاه على خطّ النار مع السلاح.
ملده شويكاني