العود بين التشريق والتغريب
حينما يحتضن العازف آلة العود ينسى كل مايدور حوله ويغدو أسير حنان نغمات أوتارها، بهذه الكلمات بدأ الباحث وضاح رجب باشا محاضرته “العود بين التشريق والتغريب” في المركز الثقافي العربي –أبو رمانة- والتي جمعت بين الشرح والأسئلة ومقتطفات من عزف أشهر المقطوعات، وكانت روح فريد الأطرش حاضرة من خلال الأسئلة والمعزوفات.
وقد استضاف الباحث وضاح باشا العازف المتأثر بروح العزف الشرقي راغب مرادني، والعازف الشاب طارق صقر المتأثر بالمدرسة العراقية وبالتكنيك الغربي ليجري محاورة بينهما تظهر خصوصية آلة العود في كل مدرسة.
استهل الباحث المحاضرة بعرض فيلم مصري عن صناعة العود يوضح إبداع الصانع بتحويل الخشب الصامت إلى صوت الحنان والدفء الذي يسري في أرواحنا، من خلال تجربة محمود مصطفى الذي توارث صناعة العود عن أبيه وعائلته، واستعرض الفيلم مراحل التصنيع وتركيب الأوتار والأخشاب من سبعة أنواع منها الشوح والأبانوس، وبيّن الباحث أن صناعة العود دقيقة جداً وتعود إلى أكثر من قرنين من الزمن، وبدأت بأربعة أوتار ثم أضيف الوتر الخامس والسادس وحالياً توجد محاولات لإضافة الوتر السابع والثامن وتصل إمكاناتها إلى أوكتافين ونصف بمقام الصول وتصلح للعزف المنفرد وبمرافقة الأوركسترا، ويصل سعرها إلى ثلاثة ملايين ليرة سورية.
وأشار الباحث إلى أن العود يتألف من ستة أوتار مزدوجة، بتكوينها تشكّل أسلوب العزف، وعرّف الجمهور إلى أنواع العود منها العود التركي والتونسي والحلبي، فكل عود يختلف بحجم البطن وطول الأوتار من 59 حتى 66سم. واستعرض أهم العازفين مثل رياض السنباطي وفريد الأطرش ومنير وجميل بشير، ومن سورية على سبيل المثال عمر نقشبندي من دمشق، أسعد الشاطر من حلب.
وطرح سؤال فيما إذا كانت آلة العود لعزف الجمل الموسيقية الشرقية فقط أم تصلح لتجاوز شرقيتها إلى العالمية باستخدام الريشة بطريقة أخرى؟ لتتم الإجابة عنه في نهاية المحاضرة.
التنقلات الموسيقية
وقدم العازف راغب مرادني تقاسيم بأسلوب العزف القديم، تنقل من خلالها كما ذكر الباحث بين عدة مقامات من النهاوند إلى البياتي إلى العجم فالصبا ليعود إلى الرصد والنهاوند، وأوضح حجم الارتجالات من العازف بالتنوع بين تفرعات المقام ذاته لإظهار براعته بالتنقلات الموسيقية المدروسة وليست العشوائية.
وتحدث مرادني عن أهمية وضع الإصبع بدقة في المكان الصحيح الذي يحدد أبعاد الدرجة الموسيقية، لأن العود آلة حساسة جداً ولا يوجد فيها نحاسيات مثل الغيتار وأي خطأ بنصف ميلمتر واحد يسبب النشاز، ليتوقف عند فكرة الارتباط الروحي بين العازف والعود ويد العازف المحترف التي تلمس العود بما يشبه السيالة العصبية.
وأثار الباحث مسألة تراجع آلة العود في فرق التخت الشرقي وطغيان آلتي الكمان والقانون عليها منذ عام 1910، ولم تتراجع فقط في الدول العربية وإنما في كل الدول الشرقية حتى في الهند، وفي السبعينيات عادت إلى ألقها برائعة محمد الموجي “اسأل روحك” إذ أعطى العود تقاسيم صولو.
وعن عدم انتشار العود عالمياً أجاب الباحث أن السبب يعود إلى عدم استخدامها بتقنية الموسيقا الغربية. وتطرق إلى مقامات الموسيقا الشرقية المتنوعة التي تصل إلى خمسة وتسعين مقاماً، وإلى خاصية الربع تون الموجودة بالموسيقا الشرقية، والجمع بين مقامات مختلفة واستشهد بالجملة الموسيقية التي ألّفها عبد الوهاب ب(كل ده كان ليه) بالدمج بين ثلاثة مقامات.
الإبهار بالعزف
وتحدث الباحث مع العازف طارق صقر حول المقامات الغربية(الماجور والمينور) والاستعاضة بقلة المقامات بالموسيقا الغربية بالهارموني والإبهار بالعزف، واستشهد بتجربة عبد الوهاب باستخدام المقامات الغربية بالتكنيك المبهر، ليشيد العازف صقر بالمدرسة العراقية التي تعود إلى محي الدين حيدر من أصول تركية، وأوضح بأن تقنية التكنيك تكون مدروسة بخطوات دقيقة، وأبهر الحاضرين بأسلوب العزف الغربي بمقطوعة “عواطف” لعبد الوهاب وهي مقطوعة آلية والتي شبهها الباحث إلى حدّ ما بخصوصية اللونغا.
وأنهى صقر حديثه مع الباحث بأن التكنيك لايخرج العازف عن روح الموسيقا الشرقية. ونوّه الباحث إلى ما نراه على النت من مقطوعات عزف على الكمان والبيانو وغيرها من الآلات بشكل مبهر، لاسيما للأطفال مما يؤكد على اعتماد الموسيقا الغربية على الإبهار واعتماد الموسيقا الشرقية على الإحساس، وأنهى المحاضرة بناء على طلب الجمهور بعزفه تقاسيم على مقام الرصد.
ملده شويكاني