فظاعة التعصّب
عبد الكريم النّاعم
فور جلوس صديقي، وكنتُ قد كتبتُ بخطّ يدي “فظاعة التعصّب”.. مطّ رقبته باتّجاه الورقة، وقرأ ما فيها، وأنا، لسبب لا أعرفه،لا أحبّ أن يطّلع أحد على ما أكتبه حتى وإنْ كنتُ أُعدّه للنشر، نظر إليّ وقال: “تستفتح نهارك بـ “الفظاعة” يارجل”؟!.
قلت كاتماً ما أثار في نفسي: “أنت تعلم أنّني لا يشغل وقتي، والحمد لله، إلاّ التفكّر بما حولي، بجميع اتجاهاته، أو القراءة، وأحيانا تخطر لي فكرة، فأكتب عنوانها وأنتظر أن أعالجها”.
قال: “هل تعتقد أنّ الكتابة مُجدية”؟
قلت: “هي أجدى من الصمت، ولو لم تكن للكتابة جدوى لَمَا وصلتْنا كتب مَن سبق، ولا طالعْنا ما يصدر من مطبوعات، قد تكون الفائدة من الكتابة أكثر عمقاً، وأبلغ أثراً، في وقت من وقت آخر، ولا تنس الآية الكريمة “عَلَّمَ بالقلم* عَلَّمَ الإنسانَ ما لمْ يَعلمْ”.
قال: “ألا تظنّ أنّ كلّ معتقِد بأمر هو شديد التعصّب إليه”؟
قلت: “هنا المَقْتَل، ومِن هنا تبدأ (الفظاعة)..
قاطعني: “ألمْ تجد مفردة أخرى غير الفظاعة”؟
قلت: “بل أنا تخيّرتها، لعمْق معناها، فقد جاء في المنجد (فَظَعَ يَفظُعُ فظاعة: الأمر اشتدّ في شناعته، وجاوز المقدار في ذلك)، وأخرجتُ ورقة أخرى وقلت له: “إسمع ما جاء في هذه الجملة المأخوذة من أحد كتب التراث (العصبيّة في الحقّ ربّما خذلتْ صاحبها، وأسْلمتْه، وأَبْدتْ عورتَه، واجتلبتْ مساءاته، فكيف إذا كان في الباطل) والتعصّب شنيع، أنا أعرف أن لدى كلّ إنسان رؤية، أو عقيدة هو مقتنع بها، ولكنّ هذا شيء، والتعصّب شيء آخر، ولقد ابتُلي النّاس بالمتعصّبين، والمتطرّفين، الذين يرون أنّ ما هم عليه وحده الحقيقة، ولا حقيقة وراءها، ولذا فهم يرفضون مناقشة، أو تقبّل أيّة آراء أخرى، إلاّ من باب مَن يستمع ليردّ، لا ليستفيد، ويمحّص، ولقد عرفت الأزمنة البشريّة هذا النّوع من الوباء، ودفعتْ أثماناً غالية، تارة باسم الدّين، وأخرى باسم المذهب، وثالثة باسم السياسة، بيد أنّ ما مرّ على سوريّة خلال السنوات المنصرمة يقتضي أن تتفتّح العقول، وأن تقوم بمراجعة نقديّة، لا للمفاضلة بين آرائهم، بل للبحث عمّا يشكّل لُحمة اجتماعيّة، لا للتخلّص من آثار ذلك التدمير التكفيريّ فقط، بل من أجل العيش المشترك، ولعلّ أسوأ ما يواجهه العقل في هؤلاء أنّهم يُلغون التاريخ، ودروسه، ولا ينظرون إلى الأمور إلاّ من زاوية رؤيتهم، علماً أنّ في تاريخنا ما يستحقّ أن يُتوَقّف عنده، لاسيّما ما ورد عن الشافعيّ رحمه الله، الذي يبدو أنّه عانى من شيء من هذا في زمنه، فقال قولته الشهيرة “رأيي خطأ يَحتمل الصواب، ورأيك صواب يحتمل الخطأ”، ولقد خضنا في هذه المخاضة أكثر من مرّة، وسنظلّ نعود إليها، معلنين أنّ الانتماء للوطن بكلّ أطيافه الفكريّة، والبشريّة، والمواطنة هي الأساس الذي لا نختلف فيه، فلمَ ينصرف البعض إلى مواقع الفظاعة والاستفظاع”؟!!.
aaalnaem@gmail.com