هيستيريا المعتدين بعد سبعة أعوام من الحرب على سورية
Michel Rainbaud
ترجمة هيفاء علي
تتعرّض سورية لحرب شرسة منذ سبعة أعوام، هذا البلد العلماني الذي لا يستطيع أحد أن يراه إلا جميلاً وآسراً، حتى أعداؤه، يواجه تحدياً كبيراً، تحدي ما بعد الحرب. المهاجمون البربر،الذين جاؤوا من مئة دولة أطلسية وآسيوية وعربية، لم يوفروا جهداً ولا وسيلةً لتدمير الموارد والبنى التحتية والآثار والقدرات والطبيعة الجميلة بهدف القضاء على وحدة سورية ووحدة أراضيها. كما حاول هؤلاء المعتدين سحق الشعب السوري ومسح ذاكرته وهويته بغية إبادته.
بالتواطؤ مع ما يسمى” المجتمع الدولي”، يعمل المعتدون على حرمان هذا البلد السيادي ما أمكن من أي أمل في تحديد مستقبله بنفسه دون أي تدخل خارجي وتحديد نظامه السياسي بنفسه، ولا يخفون نواياهم المبيتة لاستبدال مستقبل سورية من دولة سيادية إلى دولة “تحت الوصاية الأممية” وبكل وقاحة. وبغية مسح الطابع الجغرافي لسورية، أم الحضارات (من بينها حضارتنا-نحن الفرنسيين) فهل هناك من طريقة أكثر فعالية من تشتيت شعب وتحطيم دولة جريمتها الوحيدة إزعاج جلالتهم؟ الهدف الأساسي من هذه الحرب تحويل سورية الكبرى إلى أرخبيل ذو كيانات انفصالية متحاربة وتحويل شعبه إلى فسيفساء قبلية عشائرية هاجسها الوحيد الهجرة إلى الشتات: في المقاربة الأولى، جريمة لا توصف تستحق الوصف المزدوج” سياسية-أبادية” ترمي إلى تفكيك دولة ترفض الإذعان لاملاءاتها وإبادة شعب يقاوم ويقاوم. هذا ما جاء في ” الخطة الكبيرة” للمحافظين الجدد، الذين يعملون منذ سنوات طوال على معاقبة سورية وتكبيدها نفس المصير الذي تعاني منه فلسطين المحتلة منذ 70 عاماً. وعليه يريدون أن يكون مصير الشعب السوري مشابهاً لمصير الشعب الفلسطيني المسلوب باسم ” المهمة المقدسة”. مصير الشعوب الأمريكية –الهندية، التي تم إقصاؤها من التاريخ، يحضر بقوة ليذكر بماذا تكمن قوة المستعمرين القادمين من أماكن أخرى. الخسائر فادحة تقدر بمئات المليارات من الدولار يضاف إليها الملايين بل البلايين من الدولارات التي أنفقتها ” القوى الغربية” المعتدية لقيادة حروبها من أجل ” نشر الديمقراطية” المزعومة.
التطرق إلى القيم الأخلاقية، الدينية والطبيعية، القانون الدولي والشرعية الأممية، لا تفيد في شيء تجاه المعتدين الذين لا دين لهم ولا ضمير. لا يمكن انتظار شيء من دول نصبت نفسها شرطي العالم وتتصرف كأنظمة مارقة وسوقية بمنطق ما. وبعد مضي كل هذا الوقت وكل هذه الأخطاء القاتلة، وبعد ارتكاب كل هذه المجازر والأعمال الوحشية والبربرية، يبدو غريباً أن نجد في هذا الغرب “الديمقراطي” الكبير هذا الكم من المدافعين عما لا يمكن الدفاع عنه ومن المعجبين أشد الإعجاب بالجهاديين الذين تم تقديمهم على أنهم “ديمقراطيين معتدلين”. فالمفكرون محاصرون بالعمى المطلق، ووسائل الإعلام غارقة في الكذب والتضليل، أما السياسيون فهم رهينة المحافظين الجدد في البنتاغون كما في أنحاء العالم قاطبةً.
لماذا كل هذا العنف وكل هذا التعنت في الإصرار على الكذب؟ لأن سورية منذ زمن طويل كانت هدف أمريكا وبريطانيا و”إسرائيل”. سورية التاريخية هي مركز الجاذبية في الشرق الأدنى، ومكان ولادة الديانات الثلاث، وقلب العروبة النابض، ورمز للإسلام المعتدل والمتسامح، ومقر الخلافات الأولى : ارث ثقيل للاضطلاع به لكنه ضمن “منارة الشرق ” هذه مكانةً هامة عند العرب وتأييد كبير عند المسلمين. منذ استقلالها ومنذ قيام الكيان الإسرائيلي، لم تتوقف سورية عن تقديم دعم كبير للقضية الفلسطينية وظهرت على الدوام كدولة متمردة على النظام الإسرائيلي- الأطلسي. ونتيجة خراب وفساد العالم العربي، انخرطت سورية في محور المقاومة وها هي اليوم تقاوم إلى أقصى درجة. جيشها الوطني صمد وحيداً على مدى الأعوام الأربعة الأولى من عمر الأزمة، ومن ثم تلقى المساعدة والدعم من حلفائه فانكب على استعادة المناطق الواحدة تلو الأخرى بعدما سيطرت عليها التنظيمات الإرهابية. وفرض نفسه بقدرته على اجتثاث تنظيم “داعش” على الرغم من أكاذيب وادعاءات المعتدين المتبجحين. وبذلك استعادت الدولة السورية معظم المناطق حتى الآن ملحقةً هزيمةً مدوية بخطط المعتدين. بالنسبة لهؤلاء، فإن سورية 2018 تشكل، بعد الكثير من المعارك ومحاولات التقسيم اليائسة، حقيقةً راسخة لا يمكن تصورها ولا تقبلها ولا تجاهلها. لذلك ارتأى المتآمرون أنه لا بد من العمل على إخفائها وإزالتها عن الخريطة، ويقتضي هذا الأمر نزع شرعية الدولة ونزع الشرعية عن مؤسساتها ودستورها وحكومتها بشكل ممنهج، إضافة إلى تجاهل رغبات الشعب السوري وتجاهل النجاحات والانتصارات الكبيرة التي يحققها الجيش السوري في ميدان المعركة ونسب هذه الانتصارات إلى حلفائها وأدواتها في الداخل. بل على العكس بنظر هؤلاء المعتدين يجب أن يقرر مصيره من قبل أعدائه ومن قبل “المجتمع الدولي” ومن قبل ثلاث دول تمثل 270 مليون نسمة أي بنسبة 6 إلى 7% من البشرية، تفرض قانونها في مجلس الأمن الدولي. لقد سقط العالم على رأسه بعزم بما أنه لم يعد هناك شرعية دولية، ولا احترام للقانون الأممي المفروض إنه الكتاب المقدس للدبلوماسيين. كل هذا العالم الجميل يضطرب ويناور في وضح النهار: رجال الشرطة المزيفين على العالم صناع الفوضى الخلاقة، اللصوص الذين يتباكون على السرقة، ومنتهكو الشرعية الذين يتباكون على الانتهاكات، المعتدون الذين يمتعضون من هجمات الجيش السوري، ممارسي التدخلات اللاشرعية الذين استشاط غضبهم من التدخل الشرعي لحلفاء وشركاء الدولة السورية. فليخرج الكومبارس ولترفع الستارة، فهاهم الشركاء والكفلاء والرعاة الحقيقيون للحرب خلعوا القناع وكشفوا النقاب عن وجوههم الحقيقية، ويسعون علناً إلى تحقيق ما فشلوا في تحقيقه بالوكالة على مدى سبعة أعوام: “إسرائيل” في الجنوب، أمريكا وعملاؤها الأوربيون في الشمال، تركيا في الشمال-الغربي .
لقد غدت ذريعة محاربة “داعش” والإرهاب أمراً مثيراً للسخرية ومبتذلاً يدافع عنها أعداء سورية الشرعية والتي لم يعد يصدقها سوى الحمقى. فقد طالب وزير الخارجية الفرنسي، جان-ايف لودريان، بانسحاب كل من ليس لديه عمل في سورية. فمن هم الذين لا عمل لهم في سورية برأيه؟ بالتأكيد يقصد إيران، حزب الله، روسيا والقوات العراقية الحليفة. وعليه فإن الدول التي لديها عمل داخل سورية ودائماً بحسب “لودريان” هي الدول الثلاث المسؤولة عن المأساة الإنسانية في سورية والعراق واليمن وفلسطين، تلك التي تمتلك أسلحة تدمير شامل، وتنتهك بشكل ممنهج القانون الدولي، تدعم الإرهاب في حال لم تكن هي من صنعته، وعينها على الغاز السوري وغاز المنطقة: إنها أمريكا والمخلصون لها بالإضافة إلى “إسرائيل” صديق” الثورات العربية” المدمرة، والسعودية الديمقراطية الكبرى، الدستورية وراعية حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وتركيا العضوفي حلف الناتو، وقطر التي تواصل شراء كل شيء في بلدنا، فرنسا.
بالنسبة للبقية، فقد تحصنت سورية بقوة على مدى سنوات طوال، جيشها قادر على صد الهجمات “الإسرائيلية” وإسقاط المقاتلات الحربية التي شنت الهجوم. ترسّخت بصلابة في محور المقاومة المتناسق، وتتلقى الدعم من حلفائها الأقوياء، بدءاً بـ روسيا. سورية ليست ممثل ثانوي بل هي في صميم حرب عالمية، فكم دولة في العالم قاومت مثل مقاومتها؟؟
السادة” أصدقاء سورية” المزعومين، أعداء “نظامها” تعلقتم بوهم انتفاضة شعبية سورية يا سادة ضحية حرب اعتداء تهدد وجودها. لذلك من حق الدولة السورية قيادة المفاوضات والمحادثات التي ستقرر مستقبلها، ومن حقها رفض أي تدخل أجنبي من قبل المعتدين. من حقها رفض تدخلاتكم وخططكم الرامية إلى تقسيم أرضها وتفكيك مجتمعها، من حقها رفض مشروعاتكم الملتوية. منذ زمن طويل سورية مستهدفة من قبل الغرب وإذا كان هذا العدوان تم بموافقة وتواطؤ “المجتمع الدولي” فإننا نفهم هذه المقاربة الوحيدة التي يمكن تصورها، والتي تطرح مشكلة بسيطة ليست مشكلة بلد معتدى عليه وإنما مشكلة البلد المعتدي أو الجهة المعتدية وهي “المجتمع الدولي” الذي يعامل سورية “كبلد مفتوح” على كل المغامرات وعلى كل المشاريع المعادية.
أيها السادة المعتدون، لا تنسوا أبداً أن وجودكم في سورية غير شرعي وغير قانوني، وكذلك الأمر بالنسبة لعملائكم المستشارين الخاصين وقواتكم البرية. وإذا كان هناك وجود شرعي فهو الدولة السورية وحلفاؤها وشركاؤها. وإذا كان هناك انسحاب يفرضه احترام القانون الدولي، فهو انسحاب الدول التي لا عمل لها في سورية، إنها دولكم التي عليها الانسحاب من الأراضي السورية وبأقصى سرعة يا سادة.