الجهاد الفردي… تكتيكات “داعش” الجديدة
ترجمة: سمر سامي السمارة
عن موقع فالداي كلوب 12/2/2018
بعد هزيمة “داعش” في معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في الشرق الأوسط ، وقطع رأسه، وتراجع وتيرة البروباغندا حوله، حان الوقت للتفكير في سيناريوهات ما بعد الهزيمة النهائية للتنظيم في سورية والعراق، ولعل من أكثر السيناريوهات السلبية المحتملة ظهور بؤر جديدة للإرهاب في جميع أنحاء العالم، وبأشكال جديدة منها “الجهاد الفردي”.
منذ مقتل أسامة بن لادن، وتعيين الظواهري – المعبأ أيديولوجياً – تراجع نشاط التنظيم، وكانت أكثر هجماته خطورة في المناطق التي كان يتولى فيها زمام القيادة الإقليمية قادة ميدانيون أيديولوجيون معروفون بنفوذهم، واليوم نلاحظ ذلك في شمال أفريقيا وأجزاء من اليمن، حيث تم – قبل عام- تشكيل تحالف إرهابي كبير تحت راية تنظيم القاعدة رغم التنافس المستمر لسنوات مع تنظيم “داعش”.
يربط تنظيم القاعدة بعض الآمال بعودته إلى المشهد العام مع ظهور حمزة ابن أسامة بن لادن، ويرى كثير من الجهاديين أنه الزعيم المحتمل للتنظيم الإرهابي الذي سيتمكن من استعادة السلطة السابقة للقاعدة، ويظهر حمزة بن لادن منذ بداية عام 2017، بشكل متكرر على أشرطة الفيديو الدعائية لتنظيم القاعدة، ويدلي بتصريحات تؤكد استعداده لمواصلة نهج والده، وهذا مرده إلى الانتشار الواسع لفكر “داعش” الجهادي.
لقد كان الانتشار السريع لـ “داعش” في عام 2013 ناجماً عن عدد من العوامل: منها وصول البغدادي إلى السلطة في فرع “القاعدة” في العراق عام 2010، وقد مكنت سيطرة تنظيم “داعش” على أراضٍ واسعة في سورية والعراق من إعلان “الخلافة الإسلامية”، واستقطاب آلاف المؤيدين من أنحاء العالم كافة للانضواء تحت رايته، كما أصبحت الاستراتيجية الراديكالية لتنظيم “داعش” على مواقع التواصل الاجتماعي إحدى الآليات الرئيسة للتجنيد والترويج للمنظمة الإرهابية في جميع أنحاء العالم.
واليوم، خسر “داعش” معظم الأراضي التي كان يسيطر عليها في سورية والعراق، وتراجعت دعايته على الانترنت، وعلى الأخص الدعاية على مواقع التواصل الاجتماعي بنسبة 90 %، ومع خسارة السيطرة الإقليمية وتراجعه إعلامياً، فإن تنظيم “داعش”، الذي ما زال يشكل جماعة إرهابية في الشرق الأوسط تقريباً لم يعد موجوداً كمنظمة إرهابية دولية، بل عبارة عن بقايا أفكار قد تستهوي أصحاب الأيديولوجيا الهدامة ومشغليهم.
محاربة “داعش” عبر العالم
لا يزال “داعش” يمارس نفوذاً خارج سورية والعراق، من خلال الهجمات المباشرة التي ينظمها، أو تنظمها المجموعات التابعة له، أو عن طريق التحريض والتشجيع على شن الهجمات، وهذا ما دفع “التنظيم” لإجراء سلسلة من المحاولات لإعلان “مناطق بديلة للجهادية العالمية” في ماراوي في الفلبين، وشبه جزيرة سيناء في مصر، ولكن على الرغم من إعلان المنظمات الإرهابية التي تعمل الآن في هذه البلدان ولاءها لتنظيم “داعش”، وتقوم بشن هجمات إرهابية ضد السكان المحليين، إلا أنها لم تستطع عام 2017 سوى الاستيلاء على منطقة ماراوي في الفلبين، والاحتفاظ بالسيطرة عليها لعدة أشهر بعد أن قام التنظيم بالتغطية الدعائية والترويج بشكل كبير للاستيلاء عليها، كما كان الحال في سورية والعراق، ولكن كانت العملية الأمنية الناجحة في ماراوي في تشرين الأول 2017 هزيمة أخرى للجهاز الأيديولوجي لـ “داعش”.
اليوم، تشعر روسيا والولايات المتحدة وأوروبا الغربية بقلق بالغ إزاء أنصار “داعش”، حيث من المحتمل أن تمثّل عودة زوجاتهم وأطفالهم من الشرق الأوسط تهديداً إرهابياً يدوم لعدة عقود، ومع ذلك، يجب أن نتذكر أن الهجوم الإرهابي الذي وقع في بروكسل في 22 آذار 2016 كان آخر هجوم قام به إرهابيون عائدون من الشرق الأوسط، في حين أن جميع الهجمات الإرهابية اللاحقة في أوروبا الغربية نفذها أنصار “داعش” الذين لم يسافروا أبداً إلى سورية أو العراق، ونزعة التطرف التي تملكتهم أتت بتأثير الدعاية عبر الأنترنت، أو من قبل أيديولوجيي “داعش” المحليين، ويعزى هذا الاتجاه جزئياً إلى أنه منذ النصف الثاني من عام 2016 زاد “داعش” من دعوة مؤيديه في الغرب لعدم الانضمام إلى الخلافة في الشرق الأوسط، ولكن “جعل الجهاد داخل البلد” بكل الوسائل المتاحة.
حقيقة، منذ النصف الثاني من عام 2017، عندما دمرت معظم هياكل وسائط الإعلام لـ “داعش”، وفقدت الخلافة قدرتها على السيطرة على حقل المعلومات، اقترح التنظيم الإرهابي ما يسمى باستراتيجية “مناصرون” “Munasirun strategy”، أي منح أنصار الخلافة سلطة تقديرية لإنشاء ونشر توجيهات أيديولوجية، وتهديدات عبر الانترنت نيابة عن “داعش”، ومعظم تلك البيانات والمنشورات التي تهدد أوروبا، والولايات المتحدة، وكأس العالم لكرة القدم 2018، والتي نُشرت عبر شبكة الأنترنت في الأشهر الأخيرة، أنشأها ونشرها أنصار “داعش”، وليس المجموعات الإعلامية الرسمية للتنظيم، ما يعني بالنتيجة أن مفهوم “الجهاد العالمي المستقل” الذي ينشره أيديولوجيو “داعش” عبر الأنترنت بشكل مستقل تقريباً سيستمر في المنظور القريب، وهذا ما لحظته أجهزة الاستخبارات الغربية حين أظهرت للإعلام أن أنصار “داعش” المستقلين تماماً الذين لم ينسقوا أعمالهم مع التنظيم الإرهابي غالباً هم من ارتكبوا الهجمات الإرهابية التي استخدمت فيها السيارات، والأسلحة التقليدية التي هزت أوروبا في الفترة ما بين عامي 2016- 2017، وبمعنى آخر هذا هو “الجهاد الفردي” الذي عززه أنصار “داعش” عبر الأنترنت، لأنه مع قطع رأس الخلافة عملياً، والخسارة السريعة لها في الشرق الأوسط، فإن هذا النوع من الإرهاب سيشكّل أكبر تهديد لأوروبا والعالم في السنوات المقبلة.