إلى من لا يرون عيوبهم..!
لم تتبلور بعد الصيغة النهائية لمبدأ حماية المستهلك، سواء من جهة ضبط الأسعار أم من جهة الاهتمام بالجودة ومعاييرها، مع الإشارة هنا إلى نقطتين هامتين؛ الأولى أن مفهوم الاستهلاك لا يقتصر فقط على استهلاك السلع والمواد الغذائية الملموسة فحسب، بل يشمل كل مُخرج عن أي كيان “مؤسساتي خدمي عاماً كان أو خاصاً – حرفياً – تعليمياً – سياحياً..إلخ”، أي إن المُنتَج قد يكون تعليمياً أو تقنياً أو ثقافياً إعلامياً، وغير ذلك من المخرجات غير الملموسة والتي قد تتخذ طابعاً معنوياً. أما النقطة الثانية المتوجب عدم إغفالها أن كل مُنتِج هو بالنهاية مستهلك..!
إذاً .. فعلى وزارة التجارة الداخلية التي اقترن مفهوم “حماية المستهلك” باسمها أن تجعل من هاتين النقطتين بوصلة رئيسية لعملها من الألف إلى الياء، ونعتقد أن هذا الأمر ليس بغافل عنها، إلا أنه وعلى ما يبدو غير متبلور في آلية عملها كما يجب، إذ إن آليات تعاطيها الرقابي مع واقع السوق الاستهلاكي بكل مكوناته الإنتاجية يقتصر في أحسن الحالات على مراقبة أسعار السلع اليومية خاصة الغذائية منها، وهذا بلا شك أمر هام للغاية، ولا ننكر أنه أتى أكله ولو نسبياً خلال الفترة الماضية نتيجة الجولات المستمرة على الأسواق.
لكن في المقابل نجد أن بقية المنتجات الخدمية والمعنوية إن صح التعبير ما تزال غائبة عن قاموس الأجهزة الرقابية، فأين الرقابة على المنتج التعليمي مثلاً ولاسيما المتعلق بالدورات التدريبية التي تقوم بها المعاهد الخاصة، وكذلك سوء خدمة شركات النقل الداخلي وغيرها..؟
ربما يقول قائل: “إن مراقبة هذه المخرجات من اختصاص جهات وصائية أخرى”…فمع إقرارنا على صحة هذا القول إلا أنه في النهاية يندرج تحت عنوان “حماية المستهلك”، وبالتالي يفترض وجود تعاون وتنسيق بين جميع الجهات الوصائية المعنية بـ”المستهلك” لضمان “حمايته”..!
اللافت في هذا السياق حقيقة تحفظ أغلب المنتجين -إن لم يكن كلهم- على آليات تعاطي وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك مع واقع وحال ما تزخر به السوق من منتجات سلعية وخدمية، ناسين أو متناسين أنهم أحد مصادر تغذية السوق بهذه المنتجات، بمعنى أنهم يروا عيوب غيرهم ولا يرون عيوبهم..!
ونخلص إلى القول: إن حماية المستهلك لا تقتصر فقط على وزارة التجارة الداخلية، بل ثمة جانب أخلاقي مهم يقع على عاتق كل مُنتِج لأية سلعة أو خدمة مهما كانت، فقد تؤدي معلومة خاطئة يتلقاها طالب ما في معهد ما إلى انحراف مسار تفكيره، وقد تحدث سلعة مغشوشة إشكالية صحية مزمنة لمستهلك ما..مع الأخذ في الحسبان أن نجعل من مقولة “كل مُنتَج هو مستهلك” مبدأً عاماً لا حياد عنه..!
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com