ثقافةصحيفة البعث

حمود شنتوت.. اللوحة في المكان المناسب

 

لمع نجم الفنان شنتوت بعد عودته من فرنسا في ثمانينيات القرن الماضي وإقامته لسلسلة من المعارض في صالات دمشق آنذاك، وكان لصالة أورنينا “المبيض” الحصة الأكبر في ترويج أعماله وعرضها إلى جانب صالة نصير شورى، واحتل المكانة المتقدمة في المشهد التشكيلي السوري آنذاك، وفي تلك الفترة الذهبية في سوق الفن التشكيلي السوري آنذاك، يمكن القول أن هذا الجيل الذي ينتمي له شنتوت هو جيل محظوظ لجهة إقبال متذوقي الفن على اقتناء الأعمال الفنية والاحتفاء بالفنان التشكيلي الذي نالته تلك البحبوحة على الصعيد المادي، مما أدى إلى فرض أصحاب المال ذوقهم ومزاجهم على الفنان، وأضحت اللوحة تقتنى إذا كانت مناسبة لفرش البيت أو ديكور المكان، وقد أثر ذلك على الفن التشكيلي الذي لا زال يعاني بعضه هذا التردي حتى الآن، والأكثر من ذلك وصل الأمر إلى أن تقييم أي تجربة أصبح يخضع لمعيار التسويق والبيع دون النظر إلى القيمة الحقيقية للوحة، كما تتابع التردي لغاية تكريس طفرة الموضة وصولا إلى فنون لا تمت للجمال بصلة، خاصة تلك الأعمال التعبيرية ورسوم المسوخ والمشوهين– التي أضحت موضة السوق رغم قبحها، وقد أسرف بعض أصحاب الصالات ومعهم بعض أصحاب الأقلام وسيدات الموضة في دعم هذه الظاهرة المدججة بالمال والنجومية الكاذبة، واستفحلت ظاهرة السطحية في التذوق والاقتناء، كما تركت آثارها في إنتاج العدد الأكبر من الفنانين، وهذا القول لا يعني أن كل ذلك الجيل من الفنانين قد سقط في مستنقع العرض والطلب, أعرض هذه الصورة مستذكرا حديثاً لأحد النقاد التشكيليين السوريين في عام 1988 في معرض حديثه عبر إذاعة دمشق عن معرض حمود شنتوت حين أوضح بمعنى: “هذا الفنان المميزة لوحته بعاطفة الأيقونة وعنايته بالضوء وبتلك العجينة والخبرة التقنية والفكرة البسيطة للمشهد، مما يجعل من لوحته ذات أهمية في التشكيل السوري المعاصر.. لكن يخشى عليه من السوق وفرض ذائقة المشتغلين في المفروشات والديكور على اللوحة”.
اليوم وبعد غياب سنوات يفتتح معرض للفنان شنتوت في صالة زينيني للمفروشات ضم عددا من الأعمال التي أنجزها مؤخراً، وقد تميز حفل الافتتاح بأناقة لائقة يذكرنا بتلك المعارض الشهيرة التي كانت تفتتح في العاصمة قبل الحرب، وقد حضره عدد من الفنانين ومحبي الفن التشكيلي، تم توزيع اللوحات في المكان المؤثث بالمفروشات في خطوة تعيدنا لتلك الذاكرة قبل ثلاثين عاما، ولا ينكر هنا الحضور الباذخ لقطع الأثاث الموزعة بعناية فائقة ومتوافقة مع اللوحات التي لا يتعدى موضوعها الفكرة البسيطة والمختزلة في تصوير الركن المحبب عند حمود شنتوت المؤلف من شجرة أفقية في أعلاها، وبورتريه لامرأة على هيئة العروس ونافذة تطل على فسحة واسعة من الضوء، في لعبة تصويرية متقنة في معالجة الظل والنور في استعراض يعرف به شنتوت بتلك البؤر التي تشي بالنور المتسلل إلى السكينة العامرة في المحيط المحدد بالخط الأسود الرقيق.. هو ذا طبع هذا الفنان اللطيف والحساس الذي لا يحمّل اللوحة أكثر مما تحتمل من ثرثرات وزخارف وألوان، لوحة بسيطة وغنية بالعاطفة ومحدودة العناصر وواسعة في خبرتها، لكن سؤال المحب يلح أبدا: وماذا بعد!؟ ما هي التغييرات في مسيرة هذا الفنان؟ أكثر من ثلاثين عاما ونحن أمام هذا المشهد وأمام هذه الشجرة ذاتها والنافذة ذاتها، وهذه العروس ألم تكبر بعد..!؟ ربما يصيب الجمال بالملل! ومن المؤكد أن هذا المكان قد أصابه ما يكفي لجعل الفن أمام الأسئلة القاسية عن الدور والوظيفة وضمير الفنان الأكثر دراية بفداحة الحياة حين ينزوي الجمال أمام القبح والموت؟.
أكسم طلاع