في القرار 2401
لم يطل الوقت حتى اكتشفت أمريكا ومعها فرنسا وبريطانيا أن القرار 2401 ليس في مصلحتهم، خاصة بعد التعديلات الروسية، والتي أفضت إلى الخروج بقرار لا يمكن تنفيذه على أرض الواقع إلا إذا التزمت فيه جميع الأطراف، ما يعني أن على أردوغان أن يوقف عدوانه على عفرين، ويتوقّف التحالف عن التدمير الممنهج للبنى والقتل العشوائي للأبرياء، وأخيراً على “معارضة واشنطن المعتدلة” أن تتوقّف عن استهداف الأحياء السكنية، فلا يستقيم الحال أن تلتزم الدولة السورية بقرار وقف العمليات العسكرية من جانب واحد وتكون النتيجة كما حدث في تهدئات سابقة من إعادة تجميع للمرتزقة، ونتج عنها سيطرة للتكفيريين أحياناً على منطقة ما بمساعدة جوية من التحالف الأمريكي، وتزامناً مع حملات في مجلس الأمن لإشغال العالم عمّا يحدث على الأرض من تجاوزات الإرهابيين.
ولأن أمريكا ومن معها ليسوا في وارد وقف الحرب، ولا الالتزام بأي قرارات دولية، فإن القرار ولد ميتاً، إذ إن المجرم أردوغان انتهكه قبل أن يجفّ حبره، من خلال إصراره على مواصلة العدوان، رغم أنه لم يسيطر على شبر واحد من الأرض منذ بدء عملياته قبل نحو 40 يوماً، أما التحالف فارتكب مجزرتين راح ضحيتهما العشرات من أهالي دير الزور، فيما صعّدت التنظيمات التكفيرية استهدافها لأحياء دمشق وريفها، بالمقابل تعامل الجيش السوري بسياسة النفس الطويل مع انتهاكات من لهثوا وراء استصدار القرار، وكانوا أول من خرقه، ولم يبدأ عمليته في الغوطة قبل أن يوضّح للرأي العام العالمي المشهد جلياً، فالذي تبين أن “المحاصرين” في الغوطة يملكون من السلاح والذخائر ما يثبت عكس ما تسوّق له الماكينة الإعلامية ومن استنجدوا بالعالم لإخراج المدنيين من الغوطة، وبأن الإرهابيين هم أنفسهم من منعوا خروج ولو مواطن واحد من المنطقة، رغم أن الدولة السورية أمّنت كل ما يلزم لخروج المدنيين، وهذا ما أغاض واشنطن ولندن وباريس، اللواتي لم يبق في جعبتهم سوى إخراج ورقة الكيميائي من الأدراج ووضعها على الطاولة كوسيلة لإبراز عضلاتهم، ومن ثم الإدلاء بتصريحات عنترية مرفقة بـ “إذا”، تُوهم بقدرتهم على فعل شيء، فوزير خارجية بريطانيا هدد بالمشاركة في الحرب على سورية، وعلى ذات الخطى سار ماكرون فرنسا، فيما تواردت معلومات عن حصول المجموعات الإرهابية في الغوطة على غاز الكلور لاستخدامه على نطاق واسع وإلصاق التهمة بالجيش السوري. ما يعني أننا أمام مشهد فوتوكوبي عمّا حدث في إدلب وغيرها، حيث ينتظر هؤلاء أفلام أصحاب الخوذ البيضاء حول استخدام الكيميائي لاتهام الجيش السوري بذلك.
ورغم قناعتنا أن التكفيريين لن يتوانوا عن اقتراف جريمة كهذه، فإن وضعهم في هذه المرحلة لا يمكنهم من الإقدام على هكذا خطوة حيث أن عواقبها ستكون وخيمة بعد أن ضيّق الجيش السوري الخناق الاستراتيجي عليهم، وبالتالي فإن استخدامهم السلاح الكيميائي يعني خروجهم أولاً من أي تسويات، وثانياً سيشن عليهم جيشنا، بالتعاون مع الحلفاء حرباً، بلا هوادة لن يكون مصيرهم بعدها أفضل من إرهابيي أحياء حلب الشرقية الذين ركبوا في الباصات الخضراء وعادوا إلى الحاضن أردوغان.
وعليه فإن كل ما جرى منذ استصدار القرار 2401، وما ترافق معه من تجاوزات وتهويلات بالتدخل العسكري الخارجي، يمكن وضعه في خانة البازار السياسي والمساومة للخروج بإنجاز ما يحفظ ماء الوجه، وهذا ما لم ينالوه سابقاً، ولن يحصلوا عليه الآن، بعد أن دخلت الحرب ربع الساعة الأخير، وبالتالي فإن أراد محور الحرب تطبيق قرار وقف الأعمال القتالية الأخير دون تسويف أو مواربة، فسورية أول المرحبين والملتزمين، أما الاستمرار في المماطلة فسيجعل الجيش السوري يخاطب جيوش الإرهاب في الغوطة باللغة التي يفهمونها كوسيلة لتخليص أهلنا هناك من عذابات التكفير.. وخاصرة دمشق ستحرّر من الإرهاب شاء من شاء وأبى من أبى.
عماد سالم