موسم التنزيلات.. لعبة تجارية تعتمد التخفيضات الوهمية.. وزبائن يحاولون إرضاء جيوبهم
مع اقتراب انتهاء فصل الشتاء نجد أفواجاً من الشريحة النسائية تتهافت إلى الأسواق، وفي جعبتهن أموال ادخروها خلال الأشهر الماضية، لشراء الألبسة والأحذية في هذا الموسم الذي يطلق عليه التجار “موسم التنزيلات”، هذا الموسم وعلى الرغم من اكتشاف الكثيرات بأن هذه التسمية ما هي إلا خدعة أطلقها التجار تحت أضواء الإعلانات التي تملأ الإذاعات للمتاجرة بجيوب الفقراء المخدوعين بوهم التخفيضات الكاذبة، إلا أن إصرارهنّ على التسوق في هذا الموسم يزداد عاماً بعد عام… فهل هذه تنزيلات فعلية، أم أسلوب لغش المواطن وطريقة للابتزاز.. أم تعتبر موسماً كاملاً من الكذب والتلاعب الوهمي بعواطف الناس واستنزاف جيوبهم؟.
لعبة التجار
لا يكاد يخلو سوق من الأسهم والرموز الحمراء التي تشير إلى حسم الأسعار إلى النصف، وأحياناً تصل النسبة إلى 70 و90 %، طبعاً مع إدراك التجار لأنهم ما زالوا يربحون حتى ولو قدّموا هذا الحسم، فما التخفيضات سوى لعبة، حسب ما أكده لنا أحد الأصدقاء الذي يعمل في هذه المحال، إذ يكتفي التجار بوضع أرقام خيالية على سعر السلعة، ومن ثم شطبها بخط صغير، ووضع سعر جديد أقل من السعر القديم بشكل يوهم المشترين بأن السعر انخفض بنسبة كبيرة، وهنا يكون التجار قد وضعوا سعراً يناسبهم، ولا يُدخلهم في دوامة الخسارة، في حين يتوهم المستهلك بأنه اشترى البضاعة بأرخص ما كانت عليه في السابق، كذلك يقوم التجار بتقديم عروض على بضائع كسدت في مخازنهم، أو انتهت موضتها، وبالتالي يرغبون في التخلص منها بشكل يرضي جيوبهم، ويرضي الزبون في وقت واحد.
أسعار خيالية
ومما لا شك فيه أن الأزمة التي نمر بها أثّرت بشكل كبير على القطاع الصناعي والتجاري، فارتفعت أسعار جميع مكونات المعيشة لتطال أيضاً أسعار الألبسة في أسواق البلد بسبب توقف معظم المنشآت عن الإنتاج، ولم يعد التسوق ضمن أولويات الأسرة السورية، بل باتت الأسواق عبارة عن محال يقصدها المارة للتمتع برؤية الألبسة والأحذية والتي طبعت على واجهاتها نسبة التخفيضات، علّ وعسى تجذب الزبائن، في حين نجد أن أسعار الألبسة والأحذية ارتفعت خلال السنوات الأخيرة بما يتراوح نسبته بين 400 % إلى 500 %، ففي جولة قصيرة على الأسواق ستجد نار الأسعار تلتهم جيبك دون أن تشتري شيئاً، وعلى الرغم من تصدّر النسب الخيالية في التخفيضات على واجهات المحال التجارية، إلا أن أسعار الألبسة النسائية والرجالية وألبسة الأطفال وصلت إلى أرقام خيالية، فسعر البيجامة النسائية الشتوية بعد التخفيضات بات يتراوح بين 7000 إلى 10000 ل.س، وسعر البنطال وصل إلى 5000 ليرة، إضافة لارتفاع أسعار الأحذية ليصل سعر الحذاء العادي في المحال المشهورة إلى 20000 ل.س، في حين وصل سعر بعض القمصان القطنية إلى 5000 ليرة، ناهيك عن نار أسعار ألبسة الأطفال التي تفوق أسعار ألبسة الكبار بالضعف تقريباً، وهي أرقام تعتبر مرتفعة جداً مقارنة مع الدخل الوسطي للمواطن السوري، وبالنسبة للتجار وأصحاب المحال فإن حجتهم جاهزة دوماً بتقلب سعر الدولار، وإغلاق معامل وشركات تصنيع الألبسة والأحذية، إضافة إلى الارتفاع الكبير الذي طرأ على أسعار الأقمشة والخيوط، بالإضافة إلى ارتفاع أجور اليد العاملة، وتوقف الاستيراد ، دفع الكثير من التجار لتسعير بضائعهم بهذه الطريقة غير المنطقية التي عجزت الجهات الرقابية في ضبطها ومخالفة المسؤولين.
حبر على ورق
يترقب أغلب الناس موسم التنزيلات خلال هذه الفترة بسبب الحالة المادية المضطربة لهم، وعدم القدرة على شراء الألبسة الشتوية والصيفية في موسمها، وهذا أمر بديهي خلال الظروف الاستثنائية التي نمر بها، ولكن في المقابل كان لابد من وجود يد تضبط هذه التنزيلات الوهمية التي يبلغ ربح التاجر بها أرقاماً خيالية تفوق القرار الذي وضعته وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فيما يخص قطاع الألبسة في قرارها الذي يحدد الحد الأقصى للربح في إنتاج أو استيراد الألبسة النسائية، والرجالية، والجوارب، والأحذية بكل الأنواع والمسميات من القطاع الخاص بنسبة 20% للمستورد من تكاليف الاستيراد، و5% لتاجر الجملة والموزع، و20% لبائع المفرق، وفي حال كان الإنتاج محلياً يتم تحديد قيمة الربح بنسبة 20% للمنتج من تكاليف الإنتاج المحلي، و5% لتاجر الجملة والموزع، و20% لبائع المفرق، ورتب القرار على المنتج أو المستورد أو الحرفي إصدار فاتورة تجارية أصولية تحدد فيها صفة البيع لبائع الجملة، ونصف الجملة، والمفرق وفق نسب الأرباح المذكورة، وإعداد بيان تكلفة المادة الذي يتعامل به أصحاب الفعالية: (استيراداً- إنتاجاً- محلياً)، وإلزام باعة المفرق، وكل من يتعامل بالبيع بالمفرق، بالإعلان عن الأسعار النهائية للمستهلك، والمحددة من المنتج أو المستورد حصراً، ويجوز لبائع المفرق أن يبيع بالحد الأقصى المحدد من المنتج أو المستورد فما دون، ويتم الإعلان عن السعر وفق القرارات الناظمة لذلك، وتداول الفواتير النظامية من المتعاملين كافة، مع ذكر الصفة التجارية للبيع، والاحتفاظ بالفواتير المقدمة من المنتج أو المستورد، والإعلان عن بطاقة البيان، والالتزام بالمواصفات القياسية، كما تضمن القرار تعديل الحد الأقصى لربح وإنتاج واستيراد ألبسة الأطفال بكل الأنواع والمسميات من القطاع الخاص بنسبة 22% في حال الاستيراد والإنتاج المحلي لتاجر الجملة والموزع، و28% لبائع المفرق، بموجب فواتير نظامية، ولكن للأسف تبقى هذه الأرقام مجرد حبر على ورق غير قابلة للتطبيق من قبل تجارنا في ظل الغياب التام للرقابة عليهم.
منفعة تجارية
لا يخلو بلد في العالم من موسم التخفيضات الذي يشكّل ضرورة لكل أطراف المعادلة من تجار ومستهلكين، وتنتهي هذه المعادلة دوماً برضى الجميع، حسب رأي الدكتور أيمن ديوب، “كلية الاقتصاد”، إذ إن البضاعة التي تباع خلال التنزيلات يتم تسعيرها بطريقة مناسبة كفيلة بتغطية جميع المصاريف اللازمة، إضافة إلى تحقيق الأرباح، وكذلك فإن التنازل عن الربح في موسم التنزيلات هو أمر لابد منه من أجل تهيئة المخازن لاستقبال البضائع الجديدة، وفي المقابل يشعر المستهلك بالرضى الكامل بعد أن حصل على ما يريد بسعر وجد أنه أقل مما توجب عليه دفعه، وأكد ديوب أن ما تقوم به بعض المحال التجارية من عروض، وتخفيضات، وتنزيلات وهمية يصب في نهاية المطاف في خدمة سياستها التسويقية التي تهدف إلى جذب عدد كبير من المستهلكين في مواسم الكساد التي لا توجد فيها حركة كبيرة للبيع والشراء، كذلك تقوم بتقديم عروض مغرية جداً في كثير من الأحيان لأنها ترغب في تسويق سلع بعينها قد تنتهي موضتها، وما تقوم به من سياسات تسويقية لا ترغب من ورائها إلا بتحقيق منفعة تجارية لهذه المحال التجارية، دون أن تعود على المستهلك أية فائدة من وراء تلك العروض، وللأسف مازالت ثقافة الشراء لدى المستهلك لدينا بسيطة، ويتم إغراؤه بأبسط العروض، وهنا لا نستطيع إلقاء اللوم إلا على وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك التي يجب أن تزيد من رقابتها على الأسواق، وتعمل في الوقت ذاته على زيادة وعي المستهلكين بحقوقهم، فضلاً عن إبلاغ المستهلك لإدارة حماية المستهلك عن أية مخالفة تنتقص من حقوقه، حتى تضع حداً لتلاعب التجار، وعدم استغلال المواطن.
المرأة الضحية
المتابع لحركة السوق في موسم التخفيضات يجد أن أغلب الزبائن من النساء، وأغلب البضائع المعروضة للتخفيضات هي من كساد السنوات الماضية، أما موديلات السنة الحالية فلا تتعرّض لأي نوع من التنزيلات، لتبقى المرأة الضحية الأولى لهذه الخدعة، وهذا ما يجعلنا نطالب بالإسراع بتدوير عجلة الصناعة في معامل وشركات الألبسة والأحذية الوطنية بعد أن طالتها يد الإرهاب، كي نرفد السوق المحلية بما يتطلبه المواطن ذو الدخل المحدود الذي لا قوة له لتحمّل نار الشراء في موسم التنزيلات، وعلى مدار العام أيضاً.
ميس بركات