في معادلة العائدية الاقتصادية.. المشروعات التنموية.. روافد إنتاجية هامة.. واستثمار واعد للموارد الطبيعية في المناطق الريفية
لا يمكن إغفال الدور الاقتصادي والإنتاجي والاجتماعي الذي يعوّل على المشروعات التنموية في المناطق الريفية بوصفها ورشات إنتاجية حقيقية تستقطب أعداداً كبيرة من الأيدي العاملة، كما يشكّل توسيعها تدريجياً نواة لصناعات بيئية محلية تكتمل حلقاتها، ودورة إنتاجها في معارض نوعية لتسويق وترويج منتجاتها التي تأتي حصيلة قروض تشغيلية متوسطة الأمد، ومحصّلة لقدرات ومهارات حرفية فردية في إطار المجتمع المحلي، وإزاء المفاعيل التنموية المأمولة من هذه المشروعات الميسّرة تمويلاً وتنفيذاً، فإنّ التحوّل المرتقب في هذه العجلة التنموية يكمن حالياً بإعادة إحياء مراكز ووحدات الصناعة الريفية، لما لها من أهمية تشغيلية واجتماعية واقتصادية وتراثية وبيئية بآن معاً، ومن الضروري تشجيع التوسع المدروس في هذه المشروعات التي يعوّل عليها كمشروعات بديلة عن مراكز التنمية الريفية التي انحسر دورها وتراجع، بل يمكن القول: إن سنوات النسيان والسبات طوت هذه المراكز، رغم أنها ساهمت لفترة طويلة فيما مضى في دعم التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمناطق الريفية، ولاسيما النائية منها التي استقطبت الكثير من البرامج التنموية المولّدة لفرص العمل عبر رفد الباحثين عن مصادر عيش مهارات وخبرات، تمكنهم من مزاولة مهن يدوية في التصنيع الزراعي، ومختلف أشكال الصناعات الحرفية واليدوية والتقليدية والتراثية، ولكن نشاطها كان محدوداً أفقياً.
مطالبة متكررة
خلال سنوات تراجع مؤشرات ومشروعات التنمية الريفية لم تتوقف المطالبة المتكررة من فعاليات المجتمع المحلي في المناطق الريفية بضرورة إعادة إحياء مراكز ومشروعات التنمية الريفية، وتأمين مستلزمات واحتياجات معاودة إقلاعها، وإحياء نشاطها الاجتماعي والتنموي مع تجديد وظيفتها، وتنويع أنماطها، وتوسيع دورها بعد أن خبا بريقها بفعل إهمالها وتحويلها إلى حقل تجارب خلال السنوات الماضية في محاولة غير جادة لتطويرها على أرض الواقع تحت عنوان نظري صوري لم يلامس ويحاكي برامج تنويع أنماط أنشطتها، وإجراء تحوّل نوعي في مدخلات ومخرجات هذه المراكز والوحدات لتحقق قيمة تنموية مضافة في البعدين الاجتماعي والاقتصادي.
82 مشروعاً للتنمية الريفية
يأتي إطلاق معرض مشروعات التنمية الريفية “ريفنا بركة “، الذي افتتحه السيد رئيس مجلس الوزراء المهندس عماد خميس في شهر تشرين الثاني الماضي، محطة هامة في الأفق التنموي إيذاناً بانطلاقة خطة مشروعات التنمية الريفية في المنطقة الساحلية، حيث أقامت المعرض التنموي الكبير مجموعة دعم وتنمية الريف بمشاركة وزارات الإدارة المحلية، والسياحة، والشؤون الاجتماعية والعمل، والزراعة، وهيئتي التخطيط الإقليمي، والتخطيط والتعاون الدولي، والأمانة السورية للتنمية، وضم 82 مشروعاً تنموياً للوحدات الإدارية في المنطقة الساحلية، وتتكون الخطة التنموية من مشروعات صغيرة، ومتناهية الصغر، ومتوسطة مطروحة للاستثمار في مختلف المجالات لدعم التنمية المستدامة، والارتقاء بواقع هذه المناطق، وخلق فرص العمل، والحد من الفقر، حيث تمّ اختيار عدد من المشاريع بالتنسيق مع الوحدات الإدارية، توزعت بين محافظتي اللاذقية وطرطوس بحيث تتنوع المشروعات ما بين صغيرة ومتوسطة زراعية وصناعية وتجارية وسياحية وخدمية، ومشاريع متناهية الصغر، تعتمد على مقومات الريف الغنيّة بموارده الطبيعية والبشرية بما يضمن استثمارها لتنمية المجتمع المحلي.
برامج للتوسع بنطاق التنمية الريفية
أفردت خطة مديرية زراعة اللاذقية حيزاً هاماً من برامجها هذا العام للتوسع بمشروعات التنمية الريفية استكمالاً للخطة المنفذة خلال العام الماضي في مجال إطلاق المشروعات التنموية الصغيرة والمتناهية الصغر، وذكر المهندس منذر خير بك، مدير زراعة اللاذقية، أن التوسع في مشروعات التنمية الريفية من أهم الأولويات التي يجري العمل عليها في إطار الدعم الحكومي للتنمية الريفية، وذلك بالتنسيق مع الوحدات الإدارية في البلدات والبلديات بما يعزز دعم هذه المشروعات البالغة الأهمية في تحقيق القيمة المضافة للموارد الزراعية واستثمارها بالشكل الأمثل، كون هذه المشروعات التشاركية المحلية التنموية تساهم في استثمار الموارد الطبيعية والبشرية بما ينسجم مع احتياجات خطط التنمية الاجتماعية والاقتصادية التي تناولتها دراسات التخطيط التنموي الإقليمي على مستوى المحافظة بهدف تطوير المناخ الاستثماري القابل لخلق فرص العمل، وللحفاظ على الموارد الطبيعية والحيوية بشكل مستدام بالتوازي مع توفير المزايا التنافسية في المجال الزراعي، والتركيز على الصناعات الصغيرة التي تستهدف المنتجات الزراعية المحلية.
تحقيق قيمة مضافة
ويؤكد المهندس خير بك أن مشروعات التنمية الريفية المولّدة لمصادر الدخل ولفرص العمل تستهدف فيما تستهدف إيجاد منافذ، ومراكز لتصريف وتسويق هذه المنتجات المعدّة، والمصنّعة من موارد طبيعية، وتمكين المزارعين من تسويقها بمردود أفضل، مبيّناً أنّه يجري تنفيذ المشروعات بوتيرة متسارعة، كونها تدعم بشكل مباشر المنتجات الريفية وجدواها ومردودها، وذلك تنفيذاً للتوجيه الحكومي بهذا الشأن، ولفت إلى أن المشروعات التي يجري العمل عليها تشمل إقامة مراكز ووحدات لتصنيع وتسويق منتجات المرأة الريفية التي يعوّل عليها في تحقيق قيمة إنتاجية مضافة، كونها تكفل تصنيع المنتجات دون الحاجة إلى تصديرها كمنتجات خام في مجالات عدة، كتصنيع الألبان والأجبان والكونسروة والنباتات الطبية والعطرية والزيوت العطرية وزعتر المائدة مع التشجيع على التوسع بالزراعات الطبية والعطرية والعضوية.
ردم الهوّة بين التكاليف والأسعار
ولن نأتي بجديد مطلقاً عندما نؤكد أن الفارق لايزال كبيراً بين التكاليف الإنتاجية والأسعار التسويقية خلال هذا الموسم الزراعي الذي استحوذ على اهتمام رسمي مكثّف لتحريك عجلة تسويق الفوائض الزراعية نظراً للتلازم بين تحسين مردود المزارع المنتج، وبين قدرته على تطوير إنتاجه الزراعي، وهذا كله ينعكس بشكل أو بآخر على القاعدة الإنتاجية في المناطق الريفية، وعلى تنمية هذه المناطق التي تنتعش بازدياد القيمة الإنتاجية والاقتصادية لمحاصيلها، إلا أنّه رغم كل هذا التداول الإعلامي الذي خرج من أروقة الاجتماعات، فإن إشكالية الفارق بين التكاليف الإنتاجية وأسعار السوق تفرض نفسها بقوة في كل مطارح النقاش الزراعي والتنظيم الفلاحي، ويتخطاها إلى مجلس محافظة اللاذقية الذي شغل الفارق السعري الجزء الأكبر من أعماله خلال دورته السادسة، فركزت مداخلات وطروحات عدد من أعضائه إلى تحليق مستمر في أسعار السلع والمنتجات الزراعية وأجور خدماتها من نقل وشحن وتسويق، وعدم ضبط أسعار المعدات، وتقاضي معاصر الزيتون أجوراً مرتفعة، ما ينذر بارتفاع جديد على سعر الكيلو من الزيت، ونبّهوا إلى انعكاس التحليق السعري المتصاعد على المستهلك والسوق، وفي الوقت نفسه عدم استفادة المزارع، وهو المنتج الحقيقي من أدنى حد من المردود، ويضاف إلى ذلك كله اشتداد تأثير العرض والطلب والتباين الحاد بين التكاليف الإنتاجية والأسعار بما ينعكس على الواقع التمويني في المحافظة، وتوافر المواد الغذائية والمحروقات، وضبط الأسعار، ونوعية المنتج للمستهلك.
الحلقة التسويقية
جاءت دعوة أعضاء المجلس لمؤسسات التدخل الإيجابي لممارسة دورها الفاعل في الأسواق لمنع الاحتكار، وتوفير السلع بكميات تلبي حاجة المواطن، ولفت رئيس مجلس المحافظة الدكتور أوس عثمان إلى أهمية الملاحظات التي يرصدها المجلس بغية تلافيها، ومعالجتها، ومراقبة أسواق السمك، ومعاصر الزيتون، وتوحيد أجورها، ودعم الفلاحين في عملية التسويق، وفيما يخص الإجراءات المتخذة، أوضح مدير فرع المؤسسة السورية للتجارة المهندس سامي هليل بأنه تم تشكيل لجنة لشراء زيت الزيتون، وبشأن عملية تسويق الحمضيات، وشراء المحصول من المزارعين، أوضح بأن هناك مبلغ مليار ليرة تم رصده لأجل قيام المؤسسة بشراء الحمضيات من المزارعين مباشرة.
استثمار مدروس
محمية غابات الفرلق واحدة من أجمل المناطق الطبيعية بشريطها الأخضر، وبتنوع أحيائها النباتية، والحيوانية، وبأعشابها الطبية، وزيوتها العطرية، وأزهارها الرحيقية، ولذلك فإن المحمية الطبيعية والبيئية لغابات الفرلق بدأت تستقطب مجدداً الاهتمام لإعادة إحياء هذه المنطقة الموصوفة بأنها من أجمل مناطق العالم بغطائها النباتي الأخضر الذي يبهر الناظر والزائر بطابعه الساحر الخلاب، لتعود هذه المنطقة الخلابة الساحرة مقصداً للزوار والمصطافين والسياح بعد أن نفضت عنها غبار الإرهاب، ولتغدو غابات الفرلق مجدداً لوحة من لوحات الطبيعة السورية النقية الرائعة والغنية بتنوعها الحيوي والجمالي والبيئي، ما جعلها من أكثر وأشهر المواقع الطبيعية الخام الجاذبة للسياحة البيئية.
البعد التنموي
يصنّف موقع غابات محمية الفرلق من أهم مواقع السياحة البيئية، وهو نموذج لها على المستوى العالمي، ولأجل إعادة إحيائها بيئياً وسياحياً كمتنزه طبيعي، ومقصد سياحي، وموئل للأعشاب الطبية، هناك مسعى حثيث لإعادة إحياء هذه المحمية الطبيعية التي تضررت من الاعتداءات الإرهابية، ولاسيما أن مشروع المحمية يحقق الوظيفة السياحية، والإنتاجية، والبيئية لما تتميز به غابات الفرلق من تنوع حيوي، وغنى طبيعي، وجمال سياحي، ما يجعلها مقصداً رئيسياً للسياحة البيئية، وهناك نافذة لتسويق المنتجات الريفية الطبيعية للمحمية يتم من خلالها تسويق المنتجات الريفية المستخلصة من المحمية كالأغذية، والنباتات الطبية، والعطرية، والعسل، والبذور، والصابون، بالتوازي مع برنامج تشاركي للتوسع بمواقع السياحة البيئية في عدة مناطق حراجية بهدف تأهيل تلك المناطق كمقاصد للسياحة البيئية، ومراكز للتنمية الريفية، وتشجيع الصناعات البيئية، والمنتجات الريفية، والصناعات اليدوية المحلية، والصناعات البيئية النظيفة كالنباتات الطبية، والزيوت العطرية، بما يعيد إحياء مقاصد السياحة البيئية في غابات الفرلق التي تتفرد بتنوع حيوي، وغنى طبيعي، وجمال سياحي أخاذ غاية في الروعة والجمال.
التنمية المستدامة
أما السبل الأقرب والأيسر لتحقيق انطلاقة حقيقية في الصناعات الريفية فتكون من خلال إطلاق المشروعات التنموية الصغيرة التي أفرد لها مركز البحوث العلمية الزراعية في اللاذقية ورشة عمل تخصصية بحثية عرض فيها الباحثون المشاركون لأهم المشروعات التنموية الصغيرة التي تسهم في التنمية الاجتماعية من خلال توفير مصادر عيش تتحقق في المشروعات الإنتاجية الزراعية الصغيرة، وأشاروا إلى دور المشاريع الزراعية الصغيرة في تحسين الواقع المعيشي للعاملين فيها، وتحقيق التنمية المستدامة، كما تم التداول في سبل وآليات دعم المشاريع الكبيرة.
وأوردت الورشة أولويات تحفيز التوسع بمشاريع زراعية صغيرة، منها إنتاج الفطر المحاري، وتصنيع منتجات الحمضيات بالطرق التقليدية، والخياطة، وتجفيف الخضار والفواكه، وصناعة القش.
أولوية تنموية
وأكد رئيس المركز الدكتور محمد سلهب بأن المشاريع الزراعية الصغيرة في المناطق الريفية تسهم في الحد من هجرة سكان الريف للمدن، وحل مشكلة البطالة، وتؤمن اليد العاملة بأجور مناسبة، وتحفز على الإبداع والعطاء، ما يستوجب دراستها بشكل عملي لتطويرها مستقبلاً، وعرض مدير عام الهيئة العامة لتنمية الثروة السمكية الدكتور عبد اللطيف علي لمشروع مزارع الأسماك الأسرية في عملية التنمية المستدامة لسكان المناطق الريفية لجهة تأمين حاجتهم من لحم الأسماك، وإعداد دراسة المشروع الوطني لمزارع الأسماك الأسرية، ودورها في دعم التنمية المستدامة لسكان المناطق الريفية، مبيّناً أن لهذا المشروع أهمية كبيرة في تأمين الغذاء الصحي لسكان الأرياف انطلاقاً من أن مفهوم الزراعة الأسرية يشمل كافة الأنشطة التي ترتكز عليها الأسرة، وترتبط بالعديد من مجالات التنمية الريفية.
الزراعة الأسرية
وبيّن أن الزراعة الأسرية وسيلة لتنظيم الإنتاج في مجالات الزراعة، والغابات، وصيد الأسماك، كما أن قطاع تربية الأحياء المائية الذي تقوم بإدارته وتشغيله الأسرة يعتمد بصورة أساسية على العمالة الأسرية من جانب الرجال والنساء معاً، ولفت علي إلى أن مزارع تربية الأسماك الأسرية متنوعة، فمنها مزارع الأسماك التقليدية المعروفة، ومنها مزارع الأسماك الأسرية التكاملية التي تعتمد على المنفعة المتبادلة بين الأسماك والنباتات للوصول إلى منتج عضوي مثل مزارع تكامل الاستزراع السمكي النباتي ضمن نظام تكامل الاستزراع السمكي لتوفير بيئة اصطناعية يتم التحكم بها، بحيث تكون مثالية لنمو الأسماك، أو الأحياء المائية الأخرى المستزرعة.
دخول السياحة على خط التنمية الريفية
وفي السياق التنموي ذاته فإن السياحة أعلنت منذ الموسم الماضي عزمها الدخول على خط التنمية الريفية بمشروعات وبرامج لدعم وتنشيط السياحة الجبلية الريفية لما لها من أهمية في تحقيق مصادر دخل وعائدات اقتصادية، والأهم من ذلك إسهام السياحة الشعبية بالترويج للمنتجات الريفية، والمقاصد السياحية ذات الطابع الحراجي البيئي المميز الجاذب للزوار والمتنزهين، ولعل أولوية التشاركية تحرص عليها وزارة السياحة لأنها السبيل لتكامل الإمكانات، والجهود، والطاقات.
ترويج سياحي للمنتجات الريفية
ومن الأهمية أن نشير إلى رؤية وزارة السياحة لتطوير السياحة الريفية والشعبية، حيث تعلن وتؤكد أن نجاح هذه الرؤية يتطلب تعاون الجميع، بما في ذلك الفعاليات المحلية، لأن السياحة الريفية كما الشعبية لها مقومات عدة، ومنها الخدمات، والبنى التحتية، والأنشطة، والمراكز الخدمية والتسويقية، ولذلك يأتي التعويل على السياحة الشعبية والريفية من خلال مشروعات صغيرة غير مقتصرة على منشآت للسياحة والتنزه والإطعام، بل تشمل مراكز تسويقية للمنتجات الريفية، والصناعات اليدوية المحلية، والصناعات البيئية النظيفة كالنباتات الطبية، والزيوت العطرية، وغيرها، وهنا تكمن أهمية لحظ هذه الروافد السياحية الصغيرة بالدعم الذي تحظى به سائر القطاعات، كونها مشروعات تنموية صغيرة يعوّل عليها اجتماعياً.
مروان حويجة