انتعاش يوحي بفورة جديدة..! قيادة القطاع الخاص للسوق العقارية ناجم عن تحكم مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال فيها..!
تشهد السوق العقارية هذه الأيام بداية انتعاش تشير إلى فورة جديدة في تاريخ هذا القطاع المتمرد على أدبيات وقوانين السوق قاطبة، نتيجة شبه تفرد القطاع الخاص لدفة قيادته، من خلال التوسع ببناء المحاضر السكنية والتجارية في كثير من المحافظات والمناطق من جهة، والسيطرة النسبية لمزاجية البيع والشراء من جهة ثانية..!
وقبل الخوض في بعض تفاصيل هذه الفورة المرتقبة نبين أن كثيراً من المراقبين يؤكد أن آخر الأمراض التي طفحت على جسم القطاع العقاري السوري خلال الفترة القليلة الماضية هو الركود التضخمي، وهو مزيج بين الركود: (فائض بالعرض مقابل نقص بالطلب)، والتضخم: (الزيادة بالطلب الكلي عن العرض الكلي) ما أدّى إلى الارتفاع المستمر بالأسعار مقابل انخفاض القوة الشرائية، هذا نظرياً ومن حيث الظاهر، أما عملياً فإن أسعار العقارات بحسب سعر الصرف انخفضت بنسبة تراوح بين 40 و 50% خلال الفترة ما بين 2013 و 2016، فسعر الشقة الذي كان 1.5 مليون ليرة في ريف دمشق عام 2010 –على سبيل المثال– كان يعادل الـ30 ألف دولار تقريباً عندما كان سعر الصرف بحدود الـ50 ليرة، أما سعرها خلال 2013 – 2016 فكان يراوح بين 6 و 7 ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل الـ 15 ألف دولار بسعر صرف نحو 500 ليرة، وبالتالي فإن سعرها انخفض إلى نحو 50%! ما أدّى بالنتيجة إلى إحداث خلل بسيرورة السوق وأسعاره..!
طارئ
لكن الطارئ على السوق حالياً هو اقتراب الأسعار إلى مستوى ما كانت عليه خلال 2010 مقومة بالدولار، أي أنه بالعودة إلى مثالنا السابق، فإن سعر الشقة التي كانت 1.5 مليون ليرة “30 ألف دولار” عام 2010، أصبح الآن بحدود 13 مليون ليرة “نحو 27 ألف” دولار..!
تزامن
ويؤكد عدد من تجار العقارات الذين التقيناهم أن ثمة عوامل رئيسية تؤدي دوراً في تحديد الأسعار، أولها ارتفاع أسعار الأراضي المعدة للبناء والتي قد تتجاوز الـ6 ملايين ليرة للقصبة الواحدة البالغ مساحتها نحو 24 م2، ثانيها ارتفاع أسعار مواد البناء والإكساء، إضافة إلى ارتفاع أجور العمالة، وتزامن ذلك مع التدفق الجيد لحوالات المغتربين إلى ذويهم وتوظيف جزء كبير منها في السوق العقارية.
تقليل
قلل بعض المراقبين للسوق العقارية من تأثير الحوالات الخارجية على داء “الركود التضخمي” آنف الذكر، معتبرين أن أصوله تعود لما قبل الأزمة، وأن أبرز إفرازاته سوء توزيع الثروة وتحكم مجموعة من أصحاب رؤوس الأموال بسوق العقار الذين بنيت ثروتهم على حساب بقية طبقات المجتمع خاصة طالبي السكن الذين أصبح طلبهم معطلاً أو غير فعال لكونه لم يعد مدعوماً بالقوة الشرائية، على اعتبار أن تلك المجموعة احتكرت هذا القطاع وفضلت الاحتفاظ بما لديها من عقارات جامدة على أن يخفضوا أسعارها، فمن اشترى خلال فترة الفورة السابقة للأزمة لا يبيعها بأسعار اليوم الحقيقية والتي تتناسب مع ضعف الطلب، بمعنى أن الأسعار يفترض أن تكون أدنى بكثير مما عليه الآن.
استحواذ
ولدى محاولتنا تحليل الكتلة النقدية الموظفة في السوق العقارية وما نجمم عنها من معروض كبير خلف مئات الآلاف من الوحدات السكنية الخالية، نلاحظ استحواذ القطاع الخاص وفقاً لبعض التقارير الرسمية على الحصة الأكبر من الكعكة العقارية في السوق بنسبة 76 %، في حين أن النسبة المتبقية هي مناصفة بين المؤسسة العامة للإسكان والتعاون السكني 12% لكل منهما، وعلى اعتبار أن القطاع الخاص يسعى للربح – وهذا من حقه – بعد أن يقوم بدراسة السوق والعائد الذي يمكن أن يحققه نجد أنه المتحكم بالأسعار لكونه المسيطر الأكبر على السوق، في حين أن المؤسسة تحصل على جزء بسيط من الأرباح لا تتعدى النفقات الإدارية، والتعاون السكني لا يضع أية أرباح على التكلفة الحقيقية للمسكن.
مخالفات
وتؤكد معطيات السوق أن أسباب انخفاض قدرة الطلب على السكن النظامي، بالتوازي مع ازدياد معدلات الاحتياج السكني تعود لضعف القدرة على الحيازة (شراء، إيجار) نتيجة انخفاض مستوى الدخل مقارنة بأسعار العقارات، وضعف ومحدودية مصادر التمويل والإقراض العقاري، ما أدى بالتالي لتوجه شريحة كبيرة من المحتاجين للسكن -تحت ضغط الحاجة وعدم توفر البديل النظامي- للاعتداء على الأراضي الزراعية أو المحمية لبناء مساكن لا تخضع لأي نوع من المعايير الفنية أو الصحية أو البيئية، فتشكلت مناطق المخالفات الجماعية والسكن العشوائي على حساب هذه الأراضي، وأصبحت أمراً واقعاً.
يذكر أن سورية تعد من أول الدول العربية التي لحظت ومنذ منتصف القرن الماضي موضوع الإسكان ضمن سياساتها الحكومية، إلا أن هذه السياسات اقتصرت على توجهات وإجراءات وخطط لم ترتقِ لمستوى استراتيجيات محددة الأهداف، وحتى التوجهات الواضحة لم تترافق في أغلب الأحيان بتأمين مستلزمات تنفيذها، وتعبر الفترة الممتدة حتى منتصف السبعينيات، بما تضمنته من تشريعات وأنظمة إسكانية وبشكل واضح عن رؤية ذات أبعاد اجتماعية لدور الدولة في هذا القطاع، تمثلت بسياسات الدعم والإعفاء، لتتبدل هذه الرؤية لاحقاً، خلال الفترة الممتدة من منتصف السبعينيات حتى عام ٢٠٠٠، حيث بدأت الدولة تتراجع عن هذا الدور تدريجياً، عبر العديد من التشريعات ذات الطابع الاقتصادي من دون النظر للمنعكسات الاجتماعية لها، لتصبح قضية الحصول على مسكن في معظم المدن السورية تحدياً حقيقياً لمعظم شرائح المجتمع، ونتيجة لذلك بادرت الحكومة بعد عام ٢٠٠٠ لدراسة وتحليل واقع قطاع الإسكان والتشريعات الناظمة ذات الصلة.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com