“أزمة ثقة”
شائكة ومعقدة هي العلاقة بين المسؤول والإعلام؛ فهي غالباً لا تحمل الود والرضا، وتمر في حالة تذبذب وتأرجح دائم، ويشوبها كثير من الشكوك وكثير من التعالي والفوقية والتشنج من قبل بعض المسؤولين الذين يعتقدون أن مهمة الإعلام تنحصر فقط في تمجيد إنجازاتهم وتلميع صورهم، ودون ذلك يعد من المحظورات .
هذه الجدلية ليست وليدة اليوم واللحظة، بل تنامت واتسعت رقعتها عمودياً وأفقياً خلال سنوات الأزمة في ضوء ما شهده الوسط الإعلامي في حلب من تسلل لمن هب ودب من المتطفلين وما اعتراه من ضعف ووهن وتلون، وهو ما أنتج حالة غير مرضية اتسمت بالفوضى والضجيج يتم استثمارها واستغلالها لتقزيم وتهميش العمل الإعلامي الحقيقي واختصاره وربطه بأشخاص مقربين يبذلون كل ما بوسعهم لتوظيف إمكاناتهم وصلاحياتهم الممنوحة لهم لتوسيع الهوة وتعميق الشرخ بين الإعلامي والمسؤول، وبين المواطن من جهة ثانية، وهو ما انعكس سلباً على أداء ونتاج الإعلامي، وعلى أهمية وثقل الإعلام ودوره كسلطة رابعة في خريطة العمل الوطني التشاركي وقدرته على التأثير وتشكيل الرأي العام، وعلى دوره الرقابي الذي أثبت كل التجارب أنه أكثر فاعلية وجدوى من الجهات الرقابية الرسمية.
ونعتقد أن استمرار الاختلاف في وجهات النظر حول المسألة الإعلامية واستمرار الخلط في المعايير والدوران في هذه الحلقة المفرغة سيفاقم من أزمة فقدان الثقة، وسيضاعف من الإشكاليات والتحديات والمتاعب التي تواجه العمل الإعلامي اليومي.
هذا الواقع المأزوم الذي ينسجم ويتسق مع مصالح فردية ونفعية يتطلب تغييراً في ذهنياته وأدبياته وأخلاقياته، وفِي آلية التعاطي مع المسألة الإعلامية برمتها، وبالتالي لابد من العمل على تجسير هذه الفجوة من خلال إيجاد نواظم وضوابط للعلاقة بين الطرفين تحكمها الثقة والاحترام، وتسهم في تهيئة بيئة ناضجة للنقاش والحوار، وبما يغلب المصلحة العامة على المصالح والمنافع الشخصية الضيقة .
والأهم أن يتحلى المسؤول بالتواضع وأن يخفف ما أمكن من مظاهر البريستيج والبهورة الزائدة والزائفة، وأن يتسع صدره لأي نقد موضوعي هدفه المصلحة العامة تمثلاً بمقولة ( رحم الله من أهدى إليّ عيوبي ) .
معن الغادري