إعادة الإعمار المنشود تحتاج إلى تنويع وتعدد الجهود
من المصرح به رسمياً والمأمول شعبياً أن الدمار الذي شهده قطرنا خلال حرب السنوات العجاف سيعقبه إعادة إعمار ما تهدم وبناء الجديد الكثير، ومن المؤكد وجوب حضور ورشات عمل وطنية كبيرة، ستجد أمامها جبهات عمل واسعة في شتى القطاعات والمجالات، وجميع الدول الصديقة وشركات ورجالات أعمالها تتأهب وتتزاحم للمشاركة في هذه الجبهات، وبعضها أعلن عن ذلك، والعديد منها قدِم إلى القطر للدراسة والإعداد، أو وضع ذلك ضمن برامجه القريبة. والمبعث للسرور أن الحديث الرسمي عن إعادة الإعمار عالي النبرة على لسان جميع المسؤولين صباح مساء، ولما كان صاحب الدار أدرى بالذي فيه، وهو الأولى بتدبير ما يعنيه، يجعل من المفترض أن تكون شركاتنا ومؤسساتنا التصميمية والإنشائية والبنائية والإنتاجية والخدمية على أهبة الاستعداد، ليكون لها الدور الرائد في ذلك، وتحديداً شركات القطاع العام، مع ضرورة أن يكون ذلك بالتوازي مع تشجيع شركات ومؤسسات القطاع الخاص، لتكون الرديف الأساس، وبالتشاركية بين شركات القطاع الواحد أو بين شركات القطاعين، وعلى أن تكون شركات ومؤسسات الدول الصديقة صاحبة الدور المساعد والمكمل.
لعقود مضت كانت شركات القطاع العام صاحبة الدور الرائد في إعمار الكثير مما تهدم مؤخراً، ولكن السنوات الأخيرة شهدت توقف أو إلغاء العديد من المؤسسات والشركات، أو تم ضم بعضها مع بعضها الآخر، تحت حجج عديدة، وجميع الدعوات التي انطلقت بخصوص إصلاح القطاع العام لم تفلح حتى تاريخه، ويندر أن نسمع عن إحداث شركات قطاع عام جديدة، بل ما زال الكثير من القديم المتوقف أو المتعثر يشكو من عنائه، ورهن تبادل مطالعات العديد من اللجان، ولا تبدو الحماسة قائمة باتجاه العلاج المأمول، بل إن العكس هو المطروح، والمعمول به حالياً يحاكي ما تم سابقاً. فقد تم ضم عدة مؤسسات قطاع عام تعمل في مجال التجارة الداخلية، في مؤسسة واحدة هي السورية للتجارة، وكان من المتوجب والمتوقع أن يكون دور مراكزها أجدى مما كان عليه سابقاً، وفي الوقت الذي بدا للكثيرين حصول شيء من ذلك، يبدو أن السورية للتجارة تعمل باتجاه طرح بعض مجمعاتها الاستهلاكية لاستثمارات القطاع الخاص، مما سيحد من عملية التدخل الإيجابي المنوطة بها في السوق، هذا التدخل المطلوب شعبياً والذي أثبت أهميته الكبرى خلال العقود الماضية، والذي هو الآن ومستقبلاً أكثر حاجة وأهمية.
أيضاً قبل فترة قصيرة تم العمل على تبني وزارة الأشغال العامة والإسكان دمج شركة الدراسات المائية مع شركة الدراسات الفنية، بحجة الصعوبات الكبيرة التي تعانيها الشركتان، من جهة تأمين جبهات عمل لازمة لها، نتيجة الحرب ومنافسة المكاتب والشركات الهندسية الخاصة، وتسرب الكوادر الهندسية إلى القطاع الخاص أو إلى خارج القطر، وتقدُّم أعمار من تبقى من عمالة، ولاحقاً وفي ضوء توجه حكومي – بالتنسيق مع وزارتي الأشغال العامة والتنمية الإدارية -عزمت الشركة العامة للدراسات المائية على دمج بعض فروعها، بالتوازي مع دمج العديد من المديريات الفرعية والمركزية، بحجة تسرب كوادرها، وعدم وجود مشاريع مائية كبيرة تناسب إمكانيات الشركة بالمدى المنظور، والحجة في ذلك أن هذا الضم يتلاءم مع متطلبات إعادة الإعمار، ويتم من منظور عام متعلق بكل الشركات الإنشائية، بدلاً من وجوب القيام بتعزيز دور الشركات القائمة وإحداث الجديد منها، التي ستجد أمامها جبهات إعمار جديدة وعديدة، خلافاً للندرة المشكو منها، مما يوجب أن تقوم العديد من الوزارات، وخاصة وزارة التنمية باتجاه اتخاذ مجمل إجراءات تمكن الشركات العامة القائمة والمتوجب إحداثها من المساهمة في إعادة الإعمار المتعدد الجبهات، والحفاظ على الخبرات الموجودة وتجديد شباب عمالها من الخريجين الجدد، في جو تنافس إيجابي مع شركات القطاع الخاص، والشركات الأجنبية الموجودة والقادمة.
إذا كان دمج أو إلغاء شركات القطاع العام، بالتوازي مع الحد من إحداث الجديد منها يتناسب مع متطلبات إعادة الإعمار، فلماذا نشهد إحداث عشرات الشركات الخاصة، ونشجع قدوم مئات الشركات الدولية للمساهمة في إعمار الكثير المتهدم وبناء الجديد المطلوب، وإذا كان النهوض بالقطاعات الحيوية والاستراتيجية نهجاً وطنياً، ومطلباً شعبياً، وتبيَّن أنه من أبرز مطالب الملتقيات العامة، وخاصة مؤتمرات المنظمات ومؤتمرات الشعب الحزبية المنعقدة مؤخراً، أليس القطاع العام أولى بذلك، لكي نحافظ على التدخل الحكومي الإيجابي الذي أثبتت الوقائع فاعليته وضرورة استمراره؟!
عبد اللطيف عباس شعبان
عضو جمعية العلوم الاقتصادية السورية