إنفاق عالي الجودة..؟!
مصفوفات عمل عديدة خاصة بكل وزارة تم وضعها، ترسم بعناوينها الرئيسية والفرعية تفاصيل المراد من كل قطاع من قطاعاتنا الاقتصادية في الأمد المنظور.
ولعل من المؤكد أن تلك المصفوفات قد وضِعَت استناداً للمتاح والممكن من موارد ولاسيما المالية منها.
فعلى سبيل المثال: تضمنت مصفوفة عمل وزارة الصناعة في الأمد المنظور العديد من البرامج والمشروعات وسبل تنفيذها، والإجراءات الخاصة بها لتطبيقها على أرض الواقع، وتركزت على خلق البيئة التشريعية والمؤسساتية التمكينية.
وحسب ما نُشر سيكون التركيز – وفقاً للمصفوفة- على الصناعات الاستراتيجية والتشبيك مع هيئة دعم الإنتاج المحلي والصادرات واتحاد المصدرين، ودراسة إعادة الهيكلة المؤسساتية والوظيفية للمنشآت الصناعية تبعاً لواقعها وأهميتها في المرحلة المقبلة.
ما أسلفنا يقودنا إلى المتوقع من إنفاق حكومي لترجمة هذه المصفوفة وغيرها، وهنا نرى أن قرارات الإنفاق الحكومية ولكي تتحسن لا بد من زيادة فعالية إدارة المالية العاملة، هذا إن لم نتحدث عن زيادة التحصيلات المالية التي هي أيضاً تتطلب زيادة فعاليتها وتحديداً في المطارح التي تستحق وتتحمل الزيادة فيها، لكن إلى الآن لم يتم التعاطي معها ضريبياً بالفعالية المطلوبة..؟!
إذا زيادة فعالية إدارة ماليتنا العامة، أي مالية الدولة في إطارها الكلي يتطلب وجود أو وضع إطار متوسط المدى لصنع القرارات، وعمل ترتيبات مؤسسية من أجل ضمان التكامل الفعال مع عمليات الموازنة والميزانيات.
ولتحسين إدارة المالية العامة بصورة شاملة كلية هناك عناصر أساسية يجب توافرها، وأولها تحديد وعاء الموازنة لمدى زمني؛ وبالنظر إلى أن حكومتنا حالياً، وعلى رغم أنها “تعاني” من قلة الموارد المالية، لكن هذا لا يمنع أن يتجه التركيز في إدارة المالية- من حيث المبدأ- على مسار الإنفاق العالي الجودة، والذي ييسر التوظيف الراسخ للقوى العاملة السورية النامية.
فمثل هكذا مسار وتبعاته على التوظيف، سيحكم استراتيجية النمو والاستثمار والتوظيف الراسخ في القطاع الخاص، كما سيحكم الآثار المترتبة على طريق الإنفاق، ولاسيما الاستثمار الحكومي على المدى المتوسط والبعيد، لذا سيكون من المهم استخدام مقاييس وأهداف لا تخضع لتقلبات دورية، خاصة أن مصفوفات العمل والاستثمار في كل جهة يفترض أن تكون محددة وواضحة.
هذا ما نأمل لحظه خلال السنوات الثلاث التي حددها وزير المالية مؤخراً، “لأجل تطوير صيغة الموازنة العامة للدولة في مشروع الإنفاق الحكومي، وذلك عبر بناء نظام شامل للموازنة العامة والحسابات الحكومية..” كما تم الإعلان عنه.
عوداً على بدء، ربما من المفيد ( لإدارتنا المالية والصناعية) في هذا السياق الاطلاع على ما أصدرته منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية ( اليونيدو) مؤخراً حول تقرير التنمية الصناعية لعام 2018 تحت عنوان “الطلب على الصناعة التحويلية: دفع التنمية الصناعية الشاملة والمستدامة”.
لقد ركز التقرير على أحد أبعاد التنمية الصناعية الذي لم يتم استكشافه بعد، ألا وهو استهلاك السلع المصنعة، الذي لابد من فهم جانب الاستهلاك فيه بغية استيعاب محركات التصنيع وأثاره بالكامل، لأنه لا يمكن لعملية التصنيع أن تحصل ما لم يتوافر طلب كافٍ على المنتجات الجديدة، وعليه فعلى تلك الإدارة أن تدرك وتفهم العوامل المحددة للاستهلاك التصنيعي.
وعلى أساس ذلك الفهم والإدراك يتوقف حسن وفعالية تطبيق “مصفوفاتنا”، ومنها المالية والصناعية مثلاً، والأمر عينه يقاس على كل مصفوفات العمل والاستثمار وإدارة المال العام، وبذلك فقط تتعاظم فوائد تنميتنا الصناعية والمالية والاقتصادية والاجتماعية.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com