آذار المجد..!
لم تكن ثورة الثّامن من آذار حدثاً عاديّاً في تاريخ سورية الحديث، بل كانت منعطفاً تاريخيّاً لبناء الدّولة: الدّولة، ولإرساء أسس النّهضة الشّاملة، وإطلاق ورشات العمران في الميادين كافّة..!
ثورةٌ حقيقيّة؛ نضت عن الجسد السّوريّ أسمال حقبةٍ ثقيلةٍ من ظلام الاحتلال والاستعمار، وأعادت حقوق الأرض والمصنع إلى أصحابها، وسيّجت الوطن بجيش عقائدي؛ ها هو ذا اليوم يُسطّر بدماء أبنائه الزكيّة الطّاهرة ملاحم الشّرف والعزّة، ذوداً عن حياضه وحفاظاً على وحدة ترابه المقدّسة..!
فالثّورة التي قادها حزب البعث العربيّ الاشتراكيّ عام 1963، كبُرت وترسّخت إنجازاتها في ظلّ حركة التّصحيح المجيد، واستمرّت في عهد التّطوير والتّحديث، وتجاوزت كلّ العقبات بفضل ارتكازها على قاعدةٍ شعبيّة وطنيّة صُلبة؛ آمنت بالثّورة وأعطتها زخماً قويّاً في شتّى مناحي الحياة؛ الاجتماعيّة والسّياسية والثّقافيّة والاقتصاديّة.
لقد غدت سورية بفضل ثورة آذار دولةً مستقرّة بقرارها وسيادتها، عصريّةً بمواكبتها لكلّ جديد، دولة قانون ومؤسّسات،ترجمتهُ على أرض الواقع بقانون الإدارة المحلية، وميثاق الجبهة الوطنيّة التّقدميّة، ومن ثمّ الدّستور الدّائم للجمهوريّة العربيّة السّورية، الذي رسخ بما لا يدعُ مجالاً للشكّ الإيمان بترسيخ دولة القانون والمؤسّسات، ما أسسّ لقيام دولة قويّة قادرة على مواجهة الضّغوط والتّحديّات، وأطلقت نهضةً شاملةً على الصُّعد كافّة، أثمرت إنجازاتٍ تنمويّة مشهودة، اقتصاديّة، واجتماعيّة، وثقافيّة، وتربويّة، وتعليميّة، فضلاً عن كونها أرست دعائم نظام سياسيّ عصريّ جديد، قائم على أساسٍ من التّعدّدية السّياسيّة والحزبيّة، من خلال تشكيل جبهة وطنيّة تقدّميّة، تضمّ الأحزاب الفاعلة على السّاحة السّورية، وجسّدت مفهوم الدّيمقراطية والمشاركة الشّعبية الواسعة، وتنظيم المجتمع في منظّمات شعبيّة، ونقابات مهنيّة، ومؤسّسات ديمقراطية مُنتخبة؛ تعكس إرادة الجماهير وتطلّعاتها.
ولا ننسى ما شيّدته من قاعدة اقتصاديّة متينة وصلبة، قائمة على اعتبار التّنمية الشّاملة مسؤوليّة وطنية للدّولة والمجتمع، وتأسيساً على ذلك أطلقت التعدّدية الاقتصاديّة، وشجّعت المبادرات الخاصّة، وأتاحت الفرص أمام الجميع للإسهام في عمليّة التّنمية.
وكان القطاع الزّراعي في القلب من اهتمامات الثّورة تخطيطاً وتنميةً مستدامةً، إذ وجّهت لتطوير الزّراعة بشقّيها النّباتي والحيوانيّ، من خلال التّوسّع بها، وتوفير متطلباتها ولاسيّما في مجال إقامة السّدود السّطحية والنّهرية، والاهتمام بالموارد المائيّة، واستصلاح الأراضي، ومنح القروض للفلاحين، وتأمين مستلزمات العملية الزّراعية في جميع مراحلها، وكذا التوسّع في الزّراعات الاستراتيجية تحقيقاً للأمن الغذائيّ، وتقديم الدّعم للفلاحين وأسرهم وتعويضهم عن خسائرهم في الظّروف القاهرة، ونشر الأساليب العلميّة الحديثة في الرّي واستخدام الآلات، وأساليب التقنية الحديثة في الزّراعة والمكافحة، وكذا العناية المطّردة بالثّروة الحيوانيّة، وتطوير البادية، ممّا وفّر حالة من الاستقرار المشهود والنّمو المطّرد في قطاع الزّراعة؛ وهذا ما مكّن سورية من تحقيق الاكتفاء الذّاتي والأمن الغذائي، بتوفير المحاصيل الاستراتيجيّة وإنتاج فائضٍ عن الاستهلاك المحليّ القابل للتّصدير. ناهيك عما تحقّق من مكاسب شعبيّة وجماهيريّة على صعيد التّعليم والصّحة بمستوياتهما كافة؛ إذ انتشرت المدارس والمشافي في شتّى أنحاء الجغرافية السّورية، فضلاً عن مجانيّتهما، وكذا توسّع التعليم الجامعيّ ليشمل معظم المدن السّورية.
إنّ ذكرى ثورة الثّامن من آذار مناسبةٌ وطنيّةٌ وقوميّةٌ نستلهم من معانيها ونهجها؛ أسباب المنعة، والقوّة المعنويّة والماديّة، للتمسُّك بثوابتنا، والمضيّ قُدُماً خلف جيشنا الباسل المغوار، الذي يُعيد كتابة تاريخ الأمّة المُشرّف بحروفٍ من ضياء، مُجتثّاً شأفة الإرهاب والظّلام. وكلُّنا ثقةً بأنّ النّصر المُؤزّر حليفُنا..!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com