داعش… النشأة والبنية والأهداف
إن التطرف عملية معقدة وحينما يرتبط بالأفكار الدينية يترافق مع أبعاد متعددة ومتنوعة، والتطرف الديني ليس مشكلة معرفية فحسب بل هو مشكلة اجتماعية وسلوكية وتربوية واقتصادية ومؤسساتية وثقافية وتاريخية ودولية، كان الدين على مر العصور الماضية أحد مصادر القوة لإحلال الأمن والاستقرار في العلاقات السياسية والاجتماعية غير أن التفاسير الدينية أدت إلى ظهور مذاهب فكرية متعددة وطوائف مختلفة، وكان من تبعات ذلك حدوث نوع من الشقاق الاجتماعي وزعزعة للاستقرار السياسي، والتاريخ الإسلامي حظي أيضاً بنصيبه من التقلبات وهذا أدى إلى ظهور حركات سياسية واجتماعية كثيرة وكان تيار السلفية من أهم التيارات الفكرية متمثلاً بمحمد بن عبد الوهاب، مع بدء ظهور الصحوة الاسلامية سعت الأجهزة الأمنية للسيطرة على تلك الموجة فزرعت وصنعت تيار القاعدة ومن ثم خلقت داعش التي أعلنت عن وجودها في ساحتي الحرب السورية والعراقية، هذا ما أراد الكاتب الدكتور سيد رضا صدر الحسيني تسليط الضوء عليه وإيصال حقيقة هذه المنظمة من خلال كتابه “داعش… النشأة والبنية والأهداف” الصادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية ضمن “المشروع الوطني للترجمة”.
من خلال صفحات الكتاب حاول الكاتب أن يكشف الزوايا المظلمة في نشاطات هذه المنظمة الإرهابية تحدث فيه عن ظهور داعش ولماذا أوجدت داعش؟ تتمظهر الإجابة في موقع وسياسة الجمهورية الإسلامية الإيرانية ودورها الكبيرفي ظهور وترسيخ التيار المقاوم والرافض لسياسة أمريكا ووجود الكيان الصهيوني في المنطقة الذي يسعى الأمريكيون والصهاينة إلى كسره ومحاولة إلحاق الهزيمة به لضمان مصالحهم وكان في مقدمة قائمة الأدوات الجديدة سلاح الإرهاب، وكان الدليل على صحة هذا الرأي ما أعلنته وزيرة خارجية أميركا السابقة هيلاري كلينتون في كتابها (الخيارات الصعبة) قائلة: كنت قد سافرت إلى12بلداً في العالم، واتفقت مع كثير من أصدقائي أنه في اللحظة التي يُعلن فيها عن تأسيس (داعش) سنعلن موافقتنا- نحن والأوروبيون- بشكل رسمي، وكان قد حصل الاتفاق على أن يُعلن عن الموافقة في (5تموز2013).
وبما أن داعش وجبهة النصرة مرتبطان ارتباطاً وثيقاً بالقاعدة فهما أيضاً يحظيان بدعم أميركي فيرى الكاتب أن الهدف النهائي لأميركا هو حرمان جيران إسرائيل أي لبنان وفلسطين من دعم سورية وإيران لهما، وبناء على هذا فتنظيم داعش الإرهابي ليس أداة أميركية لمحاربة الحكومة السورية فحسب إنما هو وسيلة للضغط على إيران أيضاً، وبشكل عام فإن أميركا تستثمر (داعش) لأهداف عدة منها الهجوم على أعدائها في منطقتي غربي آسيا وشمالي إفريقيا، واستخدامهاذريعة لمتابعة تدخلاتها العسكرية في المنطقة، وزيادة برامجها التجسسية في البلاد بحجة جدية محاربة الإرهاب وحفظ الأمن القومي.
داعش والاتصالات والاعلام
ومن أجل خلق هوية لداعش ونشر تفكيرها التكفيري وايجاد أتباع لها وتوسيع جغرافيتها ونشر عقيدتها، فكان في متناول هذا التنظيم وسائل الاتصال الحديثة، فأوجدت داعش لها مكاناً في شبكات التواصل فالحرب مع داعش هنا هي حرب معلوماتية وأمنية وإعلامية قبل أن تكون عسكرية، نشاطات داعش في هذا المجال أذهلت العالم من ناحيتي الشكل والمحتوى فهو من جهة لديه أمور ترجع إلى حقبة ما قبل الإسلام ومن جهة أخرى لديه التقنيات الحديثة والتجهيزات المعقدة وكادر من المحترفين، خصص التنظيم ميزانية ضخمة لتطوير وسائل اتصاله، وشراء تصميمات حديثة الشبكات وآلات تصوير متطورة.
مصادر داعش المالية
تعد تجارة الآثار والتحف الفنية المسروقة من سورية والعراق من أهم مصادر ثروة الإرهابيين فدائماً ما كان كثير من المجموعات الارهابية تظهر في الأماكن الأثرية وتعمل على سرقة الآثار وتهريبها لتأمين مصدر الثروة، كيف يستطيع داعش تحويل النفط السوري والعراقي إلى أموال؟ هذا السؤال الذي طرحه الكاتب ليسلط الضوء من خلاله على مصدر آخر من مصادر التمويل التي يحظى بها التنظيم، فداعش يحتل أغنى المناطق النفطية في سورية والعراق ويكسب أموالاً طائلة من تهريب النفط وبيعه إلى حد دفع بعض المراقبين للقول إن داعش بات من أغنى التنظيمات الارهابية في العالم، ويعتمد الكاتب على تقارير توردها روسيا اليوم تؤكد وجود مافيا لتهريب النفط تشمل التجار الأكراد والأتراك والإسرائيلين، طوال الفترة التي كانت فيها تركيا تنقل النفط الذي سرقه داعش من سورية والعراق إلى الكيان الصهيوني كان أيضاً مجرمو التنظيم يزدادون ثراء من مردود هذا النفط.
داعش والدول العربية
استطاع التنظيم بعد مرور عدة أعوام على إعلان ظهوره على النفوذ إلى أكثر من نصف الدول العربية، أغلب التقارير تشير إلى أن تنظيم داعش الارهابي موجود في 11 دولة عربية ويتلقى أنواعاً مختلفة من الدعم، فهذا التنظيم هو صناعة المخابرات السعودية والأمريكية وقد جرى تجنيد وتجهيز أبو بكر البغدادي ضمن السجون الأمريكية في العراق، ويعدد الكاتب الدول التي تنشط فيها داعش وهي ليبيا والعراق وسوريا والدول التي يتواجد فيها عناصر التنظيم وهي لبنان والجزائر وفلسطين ويتعرض الكاتب إلى العلاقة بين داعش وقطر التي كان سلوكها السلبي المتبع من أمير قطر السابق حمد بن خليفة بدعمه للمجموعات الإرهابية الأمر الذي أدى إلى زيادة نسبة الإخلال بالأمن في منطقة غربي آسيا، وبأن هذه الإجراءات والأعمال كانت سلبية أكثر من أعمال السعودية نظرا لأن السعودية اتجهت نحو هذا السلوك مؤخراً، على حين اتبع الأمير حمد هذا السلوك منذ أواخر القرن العشرين.
التحالف الدولي تكتيك أم استراتيجية
يتطرق الكاتب في بحثه المطول إلى التحالف الدولي الذي أقيم ضد داعش، الذي نفذ عشرات الهجمات لكنها لم تسبب أية أضرار فعلية للتنظيم إنما أدت إلى مقتلأهالي المنطقة من غير العسكريين وأغلبهم من الأطفال والنساء، لكن السؤال المطروح هل التحالف الدولي ضد داعش لصالح سورية؟! ويجيب الكاتب على هذا التساؤل من خلال اجابتين وفق نهجين مختلفين فالجواب الأول يعتقد بتكرار الحرب بوساطة أميركا من أجل تثبيت وجودها ونفوذها في منطقة غربي آسيا، وأن هذا السيناريو مكرر ويقوم على إيجاد المجموعات الإرهابية ودعمها في البداية ومن ثم القضاء عليها بضربات عسكرية.
ويقوم الجواب الثاني على نظرة متفائلة بالرغبة الحقيقية والصادقة لدى أميركا في محاربة الإرهاب أو على الأقل حماية مصالح حلفائها في المنطقة، هذه النظرة التي تحاول بعض وسائل الإعلام ترويجها بهدف تجميل الصورة الأميركية، هذا ويوجد رأي آخر يعتقد أن التيارات والتوجهات المتطرفة والتكفيرية والنزاعات الطائفية المتأصلة في المنطقة مهدت لتدخل القوى العظمى لتحقيق أهدافها في المنطقة.
بالنتيجة الحرب على داعش الذي هو صنيعة هذه الدول نفسها هي حرب غير مجدية لسبب بسيط أن الداعين إليها يريدونها حرب عبثية وتمثيلية، ولايرغبون في تحقيق هدفها المعلن.
يقع الكتاب في 324 صفحة من القطع الكبير، ترجمة: أيهم علي حسون، ومحمد عبد اللطيف علي، ومراجعة: د.نزار بني المرجة، د.حسام شعيب.
علا أحمد