الزاوية القانونية الإثبات بالشهادة
> المحامي عمر تقي الدين
إن كل دعوى يدعي فيها المدعي بحق ما لابد له من إثباتها وفق الطرق التي حددها القانون للإثبات، فالحق المجرد من الدليل مصيره الهدر والضياع، لذلك فإنه لا تستقيم أي دعوى أو حق دون تأييدهما بدليل يثبتهما ويدعمهما ويؤكدهما، فالإثبات والدليل هو الأداة اللازمة التي يعتمد عليها القاضي للتحقق من الوقائع القانونية التي يبني عليها حكمه من أجل الوصول للحق والعدل، ويأتي الإثبات بالبيّنة الشخصية (الشهادة) في الدرجة الثانية بعد الإثبات بالكتابة، ويعد من أهم وأخطر وسائل الإثبات في آن واحد، وتأتي أهمية الإثبات بالشهادة في حال عدم إمكانية إعداد الدليل الكتابي، وهي واجب أخلاقي وقانوني وشرعي، فقال جلّ جلاله في كتابه الكريم: «ولا تكتموا الشهادة، ومن يكتمها فإنه آثم قلبه، والله بما تعملون عليم»، فالإثبات بشكل عام هو إقامة الدليل على حقيقة أمر مدعى به نظراً لما يرتب عليه من آثار قانونية، ويقصد بالإثبات بالبيّنة الشخصية الإثبات بالشهادة، وهي إخبار الشاهد للمحكمة بما علمه من وقائع وأمور عن طريق المشاهدة أو السماع أو التسامع، وقد منح المشرع للشهادة قوة ثبوتية محدودة نظراً لتعذر الاعتماد على ذاكرة الشهود، وعلى حسن نيتهم وأمانتهم وأخلاقهم، لذلك لم يجز الإثبات بالشهادة إلا في حالات معينة ومحددة، تاركاً للقاضي سلطة واسعة في تقدير قيمة الشهادة، وحرية كبيرة في الركون إليها، أو إهدارها، أو تفضيل شاهد على آخر، ويمكن للشاهد أن يكون موجوداً صدفة بمكان الواقعة، أو يكون موجوداً بناء على طلب الطرفين عند إبرام العقد أو الواقعة، ولابد من أن تتوافر في الشاهد شروط لتكون شهادته مقبولة قانوناً، وحددت المادة 59 من قانون البيّنات أنه يشترط في الشاهد أن يكون أهلاً للشهادة، ولا يكون أهلاً للشهادة من لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة، أو من لم يكن سليم الإدراك، أو من كان محكوماً بأحكام جزائية تسقط عنه أهلية الشهادة خلال مدة العقوبة فقط، وبعد انقضاء مدة العقوبة تعود للشخص أهلية الشهادة، وللقاضي السلطة التقديرية بقبولها أو رفضها، على أنه يجوز أن تسمع أقوال من لم تبلغ سنه خمس عشرة سنة بغير يمين، وعلى سبيل الاستدلال فقط، والعبرة بسن الشاهد وقت أداء الشهادة لا وقت حدوث الواقعة المشهود بها، واستثنى المشرع من ذلك قضايا الأحوال المدنية، حيث اشترط أن يكون شهود الوقائع المدنية قد أتموا الثامنة عشرة من عمرهم بتاريخ حصول الواقعة المشهود عليها، وليس بتاريخ أداء الشهادة، وهذا ما نصت عليه المادة 18 من قانون الأحوال المدنية.
والممنوعون من الشهادة بالقانون هم المدعي (مادة 61 قانون البيّنات: ليس لأحد أن يكون شاهداً ومدعياً، فلا تصح شهادة الوصي لليتيم، ولا شهادة الوكيل لموكله، ولا شهادة الشريك، فيما يتعلق بالشركة، ولا الكفيل فيما يختص بالتزامات مكفولة)، والأقرباء قرابة مانعة للشهادة (منع المشرع في المادة 60 من قانون البيّنات شهادة الأصل للفرع، وشهادة الفرع للأصل، وشهادة أحد الزوجين للآخر، ولو بعد انحلال الزوجية)، والموظفون فيما يتعلق بمعلومات تخص عملهم، لا تجوز إذاعتها (نصت المادة 64 من قانون البيّنات، ومع ذلك فللسلطة المختصة أن تأذن لهم في الشهادة بناء على طلب المحكمة أو أحد الخصوم)، وبعض أصحاب المهن الحرة فيما يتعلق بمعلومات تخص المهنة كالمحامين والأطباء وغيرهم، (هذا ما نصت عليه المادة 65 قانون البيّنات)، والأزواج فيما يتعلق بالمعلومات الزوجية إلا في حال رفع دعوى من أحدهما على الآخر، أو إقامة دعوى على أحدهما بسبب جناية أو جنحة وقعت منه على الآخر (المادة 67 من قانون البيّنات)، والأفراد العاديون فيما يتعلق بمعلومات تتعلق بشؤون الدولة إلا إذا كانت قد نشرت بالطريقة القانونية، أو كانت السلطة المختصة قد أذنت في إذاعتها (المادة 63 من قانون البيّنات).
وأنواع الشهادة هي: الشهادة المباشرة التي يشهد الشاهد بها على واقعة أدركها بحواسه، وهي من أقوى الشهادات، والشهادة السماعية غير المباشرة التي يشهد الشاهد بها بما سمعه من الشاهد الأصلي الذي أدرك الواقعة شخصياً، والأخذ بهذه الشهادة يعود لسلطة القاضي، والشهادة بالتسامع، أي شهادة التواتر، أي الشهادة بما شاع بين الناس بشأن واقعة مراد إثباتها، وهي من أضعف أنواع الشهادات، ولا يعوّل عليها إلا في بعض الأحوال الشخصية كالنسب والزواج والوفاة والقضايا الجزائية، وخاصة حوادث السير، والأخذ بهذه الشهادة يعود لسلطة القاضي تقديرها، إما أن يأخذ بها، أو بجزء منها، أو إهدارها.