ابن وحشية.. أول من قرأ الهيروغليفية وليس شامبليون
تابع الباحث أحمد المفتي وضمن سلسلة “أغاليط من التاريخ” التي يقدمها شهرياً في مركز ثقافي “أبو رمانة” تصحيح بعض الأخطاء التي وردت في كتب التاريخ ليقدم مؤخراً مفاجأة من العيار الثقيل، حين بيَّن أن شامبليون ليس أول من قرأ اللغة الهيروغليفية، كما هو معروف لدى الجميع، إذ إن كتب التاريخ تقول إنه وفي سنة 1799 أثناء الحملة الفرنسية على مصر عثر ضابط فرنسي على حجر رشيد في إحدى قلاع مدينة رشيد، وفي سنة 1822 تمكن الباحث الفرنسي في اللغات القديمة شامبليون من فكّ شيفرة الحجر، وهكذا ظل الاعتقاد السائد في الأوساط العلمية العالمية بنسبة حل رموز اللغة المصرية القديمة إلى شامبليون، إلى أن كُشِفَ النقاب عن كتاب من تأليف أحمد بن أبي بكر بن وحشية النبطي الكلداني الذي سبق شامبليون بفكِّ رموز اللغة الهيروغليفية بزمن طويل جداً.
طمع الغرب
وأشار المفتي في بداية كلامه إلى أن الإنسان الذي لا يقرأ التاريخ ولا الوثائق يقف مذهولاً أمام ما يحدث اليوم في بلادنا، إلا أن العارف والقارئ لتاريخنا يعرف أن الغرب يطمع في بلادنا منذ آلاف السنين، وقد وضِعَت الخطط الاستعمارية لسورية منذ القرن السابع عشر حينما وفد إلينا ما يسمون بعلماء الآثار والمستشرقين.. من هنا حينما غزا نابليون بونابرت مصر في نهاية القرن الخامس عشر أحضر معه لفيفاً من العلماء والآثاريين والرسامين ليرسموا الآثار والرُّقُم التي كانت في مصر، وليطّلعوا على الحضارة الفرعونية، وهذا ما جعل الحملة تكلف خزينة الدولة الفرنسية الكثير.. من هنا كانت الكاميرا التي اخترعت عام 1839 الوسيلة الأفضل لنقل الحضارة المصرية إلى فرنسا، وكان أغلب المستشرقين من الجواسيس الذين كانوا يخططون لنقل الحضارة، ولاحتلال هذه البلاد باسم العلم والثقافة والتطور، فسَطا الغرب على كل معارفنا وعلى ما أنجزه علماؤنا، ومنهم كما أوضح المفتي ابن وحشية الذي رفد الحضارة الإسلامية بكتب كثيرة، نشرت بعضَها الجمعية الأميركية للطب عام 1962، وجعلته مقررات لطلاب الجامعات.
مكتشف الهيروغليفية
ولعل أهم ما كتبه ابن وحشية برأي المفتي كتابه “شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام” الذي طبعه المستشرق جوزيف فون همر الذي قام بنشر الكتاب باللغة الانكليزية، وفيه يبيّن ابن وحشية كيف نحلل الكتابة الهيروغليفية، وبهذا يكون هو أول من قرأها وليس شامبليون، فحجر رشيد كان مكتوباً بثلاث لغات: الهيروغليفية، والديموطيقية، واليونانية، ورأى المفتي أن شامبليون صرح بأنه فك رموز الهيروغليفية– اللغة المقدسة لدى العامة- بعد أن ذهب إلى همر واطلع على المخطوط المترجم إلى اللغة الانكليزية، وأسف المفتي- وهو الذي لم ينكر أن شامبليون كان عالماً، وله فضل على البرديات المصرية، وبعض النقوش- لأنه لم يشر إلى أنه استفاد من كتاب “شوق المستهام إلى معرفة رموز الأقلام”، وأكد على دورنا في الحضارة، وكيف كان علماؤنا السباقين إلى العلم، وأننا أول من عمل في علم التعمية، واستخراج “المعمى” عند العرب– فك الشيفرة- منذ القرن الثاني الهجري.
وأوضح المفتي أن ابن وحشية كشف في كتابه “شوق المستهام إلى معرفة رموز الأقلام” 89 لغة قديمة، من ضمنها اللغة الهيروغليفية التي يُنسب اكتشافها للعالم الفرنسي شامبليون عام 1822، غير أن ابن وحشية سبقه إلى ذلك بثمانمئة سنة، بل إن الترجمة الانكليزية لمخطوط “شوق المستهام” طُبعت عام 1806، أي قبل اكتشاف شامبليون بنحو ستة عشر عاماً، ما يؤكد استفادة شامبليون من الكتاب، وبيّن أن ابن وحشية هو أبو بكر أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم، عاش في النصف الثاني من القرن الثالث الهجري، وهو كيميائي وفلكي وعالم لغوي، إضافة إلى أنه من أشهر علماء النبات والزراعة قديماً، ويعتبر من أهم علماء الفلك.
تحتفظ عدة مكتبات بنسخ مخطوطة من كتاب “شوق المستهام”، منها نسخة المكتبة الوطنية في باريس، ونسخة المكتبة الوطنية في النمسا، ونسخة مكتبة عالي سبسهالار في إيران، وطبعة المستشرق النمساوي جوزيف همر التي صدرت في لندن عام 1806، وهي تعد أقدم طبعة للكتاب، وتضمنت النص العربي، وترجمته إلى الانكليزية، وقد ذكر همر في مقدمته للطبعة أنه وجد نسخة الأصل المعتمدة في القاهرة، وأنها سلمت من أيدي الفرنسيين الذين اشتهروا بجمع الكتب الشرقية والمخطوطات القيّمة، وذلك خلال حملتهم على مصر، وتحتفظ بأصل هذه النسخة مكتبة المتحف البريطاني، ولا يخفى أن هذه الطبعة نادرة الوجود لقدمها وأهميتها، إذ لا تكاد تقع على نسخة مطبوعة منها إلا في قليل من المكتبات العريقة، منها نسخة في مكتبة المتحف الوطني بدمشق.
أمينة عباس