النحات محمد بعجانو في “الآرت هاوس”
لم تكن الفكرة موجودة قبل أن يتعرّف النحات الفنان إلى الكتلة ويتحسّس إمكانياتها وطبيعة المادة التي بين يديه، فالخشب له طريقة في التعامل مختلفة عن الحجر والصلصال، الأول بما يمتلك من ألياف وتشريح في كتلته يسهل المهمّة، لأن أبواب الحوار بين أدوات الخلق وبين المادة، وبما يملكه الفنان من حدس، تجعل الأمر ممكناً لولادة الفكرة التي تمنح الأوليّ من الكتلة فكرة محقّقة بفعل المبدع، ولبعجانو حكاية طويلة مع فن النحت، فهو الذي كان يحمل لمدرسته أعماله الأولى وأشغاله في الخشب والجص، وهو الذي لازم المتحف وتعرّف إلى نماذج النحت السوري القديم، ودرّب عينه على اختزال الشكل في خطوط ذكية ورشيقة، فالحدود الهندسية للكتلة هي حواف الروح وما تقتضيه الحواس التي تفرض لغة أخرى كتلة المادة وتجعل من حضورها كائناً ينتمي للزمان والمكان، وله خطابه البصري الواضح بهويته السورية المعاصرة والممتدة إلى تاريخنا القديم وإلى روح المكان وتضاريس هضابه ووديانه وموج بحره. محمد بعجانو خالق الرموز البسيطة والمؤلفة من تراكم الخبرة والمقدرة على التحوير والإضافة القيّمة، فالثور حارس المكان والفلاحة والتعب ورفيق الشقاء الريفي القديم ورمز من رموز الخصب والرجولة والتحدي، كتب الناقد عمار حسن عن تجربة النحات بعجانو:
“إنه يتقمّص شخصية النحات السوري القديم من الفينيق إلى النحات التدمري ويعيد وصل الزمن النحتي الذي انقطع، إنها المعرفة التي يمتلكها نحاتنا السوري الموغل في الزمن، ولذا نراه يجوب الأزمنة والمواضيع المختلفة بحثاً وتنقيباً وتحليقاً جمالياً بكل موسيقا هذه المفردات والرموز، ويعيد صياغتها من جديد برؤيته التي تميّز بها، وصارت أعمال بعجانو ملحمة سورية يطفو فيها الزمان والمكان الماء والجمال”.
والجدير بالذكر أن المعرض افتُتح أمس وسيستمر لغاية 25 من الشهر الحالي.
أكسم طلاع