السعار الغربي ضد موسكو.. ماذا بعد؟!
ربما وجدت رئيسة وزراء بريطانيا تيريزا ماي في اتهام الحكومة الروسية باغتيال العميل سكريبال فرصة لإعادة تلميع صورتها وصورة حزبها، بعد نكسة البريكست، وآثارها الكارثية على الاقتصاد والسياسة البريطانية، عبر تصعيد إعلامي ودبلوماسي غير مسبوق اتجاه موسكو.. ولكن المتابع لهذه الحملة الهستيرية بحق موسكو يدرك أن الهدف من ورائها أبعد من الحديث عن انتهاك سيادة بريطانيا وأمنها القومي، سواء من حيث لهجة الخطاب، أو التوقيت، أو الأهداف، أو الإجراءات العدائية المتخذة ضد موسكو.
ففي الخطاب انحدر المسؤولون البريطانيون إلى مستويات متدنية في التهجّم على المسؤولين الروس عبر شتمهم بأبشع العبارات في خروج غير مألوف عن الأعراف الدبلوماسية المعمول بها، إذ يقول وزير الدفاع البريطاني غيفين ويليامسون: على روسيا أن “تتنحى جانباً وتخرس”، وهذا يؤشّر على مدى الحنق الذي يعاني منه المسؤولون الغربيون من الصعود الكبير للسياسة الروسية من جهة، وإفلاسهم وعدم وجود دلائل وقرائن واضحة بين أيديهم تدين موسكو، وتؤكّد تورطها بعملية اغتيال الجاسوس سكريبال.
وفي التوقيت .. تعيش روسيا على وقع انتخابات رئاسية من المتوقّع أن تبقي الرئيس فلاديمير بوتين رئيساً لولاية جديدة.. وبالتالي فإن الهجوم يستهدف بالدرجة الأولى التشويش على هذه الانتخابات ومحاولة التأثير فيها، ولا شك أن اجتماع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي لبحث ملف الانتخابات الرئاسية بالأمس يؤكّد نيتهم تعطيلها وضربها.. أو على أقل تقدير التخفيف من نسب التصويت العالية، أو اللعب على وتر تزوير النتائج وغيرها من الفبركات التي باتت معروفة في كل محاولة تدخّل في شأن دولة ذات سيادة، وفي هذا سعي غربي واضح للحد من الظاهرة “البوتينية” التي نهضت بروسيا الجديدة، وأعادتها إلى الساحة الدولية من بوابة قطب جديد لا يمكن تجاوزه.
في الأهداف.. بالتأكيد أن لندن ومن ورائها حلفاءها (برلين-باريس-واشنطن) تريد تحجيم الدور السياسي الروسي المتعاظم، ولاسيما بعد المشاركة الفعالة لموسكو في الحرب على الإرهاب، وحرمان القوى الغربية من الاستفادة من ورقة “الجهاديين”، وخصوصاً في سورية، والتي كانت محطة مفصلية وجوهرية في البدء بإعادة تموضع مراكز القوى في العالم. بمعنى آخر: إنهاء حالة التفرد الأمريكي، الأحادية القطبية، والانطلاق نحو عالم جديد متعدد الأقطاب.
السعار الغربي ضد روسيا اختصره وزير خارجيتها سيرغي لافروف بقوله: “الذي يحدث أن الولايات المتحدة والغرب، بعد مضي ما يقارب من500 عام من الشعور بالتفوق والتميز، انتهى.. واليوم ينتقل العالم إلى منظومة متعددة الأقطاب، وأكثر عدلاً ومساواة.. وهذا مؤلم”.. وعليه فإن التصعيد الغربي اتجاه موسكو سيستمر وبأشكال مختلفة، فبالأمس كانت حجة التدخل في الانتخابات الرئاسية الأمريكية، واليوم اغتيال العميل سكريبال، وربما في الغد لماذا استضافة روسيا كأس العالم بكرة القدم.. المهم أن يبقى الضغط مستمراً.
ولكن ما هو واضح وأكيد أن الشعب الروسي وقيادته مدرك للأطماع الغربية، ومخططات إبقاء روسيا دولة تابعة للغرب، كما كانت عقب انهيار الاتحاد السوفييتي وفترة حكم بوريس يلتسن.. لذا فإن الضغوط التي تمارسها لندن وشركاؤها ورهاناتهم على إحداث تغييرات في الداخل الروسي قد تأتي بنتائج عكسية تصب في مصلحة بوتين وحلفائه.
سنان حسن