تونس: موجة غضب الكترونية ضد الأحزاب السياسية
تحفل مواقع التواصل الاجتماعي في تونس بموجة غضب على السياسيين على خلفية الأزمة الهيكلية التي تعصف بالبلاد وتداعياتها السياسية والاجتماعية التي أرهقت التونسيين في ظل غياب أية رؤية برامجية تخفف من حالة الإحباط.
وأخذت الموجة التي يقودها ناشطات ونشطاء شبان نسقاً تصاعدياً خلال هذه الفترة في أعقاب اجتماع الرئيس التونسي قائد السبسي بما تبقى من الموقعين على وثيقة قرطاج، والذي كشف عن خلافات عميقة بشأن مسألة الحكم.
وتظهر قراءات في التغريدات أن نشطاء لا يرون في أزمة البلاد أزمة حكومة بقدر ما يرون فيها أزمة حكم تعود جذورها إلى السنوات السبع الماضية، حيث فشلت الحكومات المتعاقبة في تسيير مؤسسات الدولة وإدارة الشأن العام بناء على مشاغل التونسيين.
ويرى النشطاء أن السياسيين تعوزهم التجربة والخبرة في قيادة البلاد، ويفتقدون لرؤية واضحة من شأنها أن تنقذ البلاد من أزمة مرشحة إلى المزيد من التوترات.
ويرى النشطاء أن الأزمة السياسية هي في العمق أزمة حكم بنيوية عمّقتها تجاذبات سياسية على مواقع القرار مستهترة بمشاغل الناس الاقتصادية والتنموية.
وهم يرون أن الأزمة تتغذّى من “غياب الشرعية”، ففي الوقت الذي تشدد فيه حركة النهضة على أن شرعية الحكم مبنية على أساس الأوزان الانتخابية التي أفرزتها نتائج انتخابات عام 2014، ترى الأحزاب الأخرى، وفي مقدمتها النداء، أن الشرعية ممثلة في وثيقة قرطاج التي باتت في مهب الاختلافات.
وفي ظل حالة الغضب تظهر التغريدات أن النشطاء متعاطفون مع الجهود التي يقودها الاتحاد العام التونسي للشغل بشأن إعادة رسم خارطة سياسية جديدة تفتح أمام القوى المدنية مشاركة جدية في صناعة القرارات المصيرية.
وتقول مغردة: “لقد أظهرت السنوات السبع الماضية أن كل الأحزاب سواء منها التي تعاقبت على الحكم أو المعارضة هي أحزاب ضعيفة مصابة بالوهن، وعاجزة على قيادة البلاد على الرغم من أنها تروّج لنفسها على أنها قوة متنفذة في المشهد السياسي”.
وتضيف المغردة، التي تحمل اسم أسماء الكزدغلي: “إن القوة الوحيدة التي نجحت في فرض نفسها في المشهد العام، وتحظى بثقل مدني وسياسي، هي اتحاد الشغل الذي أنقذ تونس عام 2014 من أزمة خطيرة نتيجة سياسات النهضة الخاطئة.
ويبدو النشطاء على دراية واضحة بالتجاذبات السياسية الحالية بما في ذلك تفاصيلها، حيث يقولون: إن “مختلف القوى السياسية والمدنية بما فيها النداء مقتنعة بتركيز حكومة جديدة تقودها شخصية قوية قادرة على مواجهة التحديات باستثناء حركة النهضة”.
وكان نور الدين الطبوبي الأمين العام لاتحاد الشغل، صرح في أعقاب اجتماع قرطاج الثلاثاء الماضي بأن جميع القوى السياسية والمدنية تدفع باتجاه خارطة سياسية حاكمة جديدة باستثناء حزب واحد في إشارة إلى حركة النهضة.
ومن جهته صرّح حافظ قائد السبسي المدير التنفيذي لنداء تونس أن الحزب “يريد إجراء تحوير في العمق، ولن يكتفي بمجرد تعديل وزاري لا يستجيب لمتطلبات المرحلة”.
وقال عماد الخميري الناطق باسم النهضة: إن الحركة “لا ترى موجباً، لا لإجراء تحوير وزاري، ولا لإعادة رسم الخارطة السياسية”، متجاهلاً الأزمة المرشحة لأكثر من احتمال.
وتعكس موجة غضب النشطاء رأي جزء هام من التونسيين الذين يرون أن “تونس أرهقتها أحزاب سياسية لم تجن منها البلاد سوى الأزمة السياسية تلوى الأخرى على حساب قوت التونسيين”، ويشددون “ما لم يقع تطويق الأزمة وتوفير الحلول، فإن تونس قادمة على أزمات أشد خطورة، إن كان على المستوى الاقتصادي أو الاجتماعي أو السياسي”.
واللافت أن نشطاء مواقع التواصل الاجتماعي يتفاعلون بطريقة إيجابية مع تصريحات الطبوبي التي تطالب بقيادة كفؤة وقوية قادرة على إنقاذ مفاصل الدولة من التفكك.
ويقول مغردون: “إن ما تحتاجه تونس اليوم، إضافة إلى دور اتحاد الشغل باعتباره قوة مدنية، كفاءات قيادية وطنية ديمقراطية مدنية قوية ذات أداء عال”.
ويضيف المغرد متوجّهاً إلى الأحزاب السياسية الحاكمة: “لقد منحكم الشعب سبع سنوات وصبر على استخفافكم بأوضاع تونس وصبر أيضاً على منطق الانتهازية الذي يقف وراء مناوراتكم، واليوم حان الوقت لتقتنعوا بأن التونسيين لكم بالمرصاد”.
ويخشى النشطاء أن تقود الأزمة إلى التجاء السلطات الأمنية إلى الحل الأمني لتطويق تداعياتها الاجتماعية، ما قد يهدد الحريات التي تكاد تكون المكسب الوحيد للتونسيين.
وترى بثينة الردادي أن “التونسيين باتوا يخشون على حرياتهم المدنية والسياسية وحقوقهم الاقتصادية والاجتماعية، وهم مستعدون للدفاع عنها مهما كان الثمن”.
وتشدد المغردة: “إن تاريخ تونس لن يرحم السياسيين إن هم فشلوا في قيادة مشروع التحديث الاجتماعي والسياسي وفي الوحدة الوطنية في ظل الدولة المدنية”.
وكان اجتماع الرئيس التونسي، الباجي قايد السبسي، الثلاثاء، مع الموقعين على “اتفاق قرطاج”، قد أفضى إلى إقرار تشكيل لجنة لإعداد خارطة طريق للإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية ذات الأولوية.
ورأى سياسيون وخبراء أن ما تمخض عنه الاجتماع يمثّل خطوة جدية في اتجاه تغيير حكومة يوسف الشاهد، القائمة منذ أيلول 2016.
وكالات