“رجل الثورة” فضح أساليب التلفيق الإعلامي في الحرب على سورية
“الكذبة تلف نصف الكرة الأرضية قبل أن تتضح الحقيقة”، هذه هي الجملة التي أقنع بها جون رايلي الصحفي البريطاني الأمير باستخدام الكيماوي الذي وصفه “بالهوا الأصفر” على أرض سورية، واتهام “النظام” لتأجيج الرأي العام ضد سورية.
المحور الأساسي الذي بُني عليه فيلم رجل الثورة بتوقيع المخرج نجدة أنزور وسيناريو حسن م يوسف، وإنتاج المؤسسة العامة للسينما بالتعاون مع مؤسسة أنزور للإنتاج الفني الذي عُرض في الأوبرا، هو فضح أساليب التلفيق الإعلامي المضلل الشريك الفعلي في الحرب الإرهابية على سورية، تتغلغل ضمنه لغة الحب الحارق والقاتل في الوقت ذاته، وفلسفة الموت والحياة، مع الكثير من المدلولات اللفظية الموحية بالأبعاد المعتمدة على التورية بإيصال جزئيات رسالة أنزور”مهما كانت الأوضاع قذرة وبشعة لازم تصور اللقطة بجمالية فنية وإطار نظيف” لتكشف أحداث الفيلم بأن مفردة نظيف تعني الخداع والتضليل والكذب، ويدعم أنزور رسالته بتمرير الكاميرا في أحد المشاهد المثيرة على الجدار الذي تعلق عليه صور المصوّر الحربي رايلي، والمؤطرة بإطار نظيف، لكنها تحمل صور الموت المفجع ودماء الأبرياء.
وثمة تقاطعات بين شخصية الأمير في رجل الثورة وشخصيته في “فانية، وتتبدد” من حيث التنكر بالزيّ النسائي، لكنه بدا هنا بعيداً عن النساء وجمع المال، مكتفياً بالإعلام الخارجي الذي يحقق رغباته بإثارة الرأي العام ضد سورية، لنجد أنفسنا إزاء فيلم مختلف من حيث البناء السينمائي والخط الدرامي والصورة، يأخذ طابع الديكو- دراما بإقحام مشاهد توثيقية من خلال تتالي نشرات الأخبار كومضات صغيرة يفجرها أنزور لحظة وقوع الحدث الفاصل في الفيلم، معتمداً على إثارة المتلقي بالمؤثرات الصوتية والموسيقا – المؤلف الموسيقي وليد الهشيم- الموظّفة لخدمة الحدث والتي بدأت بالتعبير بنغمات البيانو الحادة في الطريق الجبلي الموصل إلى مقر الأمير، وتصاعد الضربات الإيقاعية المخيفة مع مشهد الاتفاق على استخدام الكيماوي ضد المدنيين الأبرياء، وصولاً إلى إقحام مقاطع جلسات الذكر لإظهار المفارقات بين سلوكيات داعش وتعاليم الدين الإسلامي، والأمر اللافت هو تركيز المخرج على لغة الحوار التي فندت ذرائع داعش في قتل الأبرياء وفق مبدأ الغاية تبرر الوسيلة.
وثيقة عالمية
وقد أعلن أنزور بشكل مباشر عن رسالته السينمائية الموجهة إلى العالم بأسره بكشف الحقيقة، متمثلاً قول جون رايلي”الحرب لعبة وإذا لعبتها بنظافة بخسر”، وباعتماده على اللغة الانكليزية، والمترجمة إلى العربية في أغلب مشاهد الفيلم، ليكون الفيلم وثيقة عالمية في وجه اتهامات سورية باستخدام الكيماوي، وبدا إبداع أنزور باختياره المخرج والممثل سيف الدين سبيعي المناسب لتأدية شخصية جون رايلي.
فلسفة الحب والموت
يبدأ الفيلم من مشهد النهاية بمقابلة صحفية تلفزيونية مع جون رايلي بعد حصوله على جائزة الصحافة العالمية، زاعماً عدم تفكيره ذات يوم بالحصول على الجائزة، وإنما كان هدفه إيصال صوت السوريين الأبرياء إلى العالم، وأنه يفكر بالعودة إلى سورية طالما الأبرياء يحتاجون إليه، ليتكرر هذا المشهد في نهاية الفيلم، ويعود أنزور بالفلاش باك إلى البداية في بيروت بلقائه الصحفية البريطانية– ميرفا القاضي– التي أجرت سابقاً لقاء صحفياً مع الأمير- الممثل خلدون قاروط- لتسهل دخوله من الطريق الجبلي إلى عرسال مكان المهربين على الحدود اللبنانية– السورية، وصولاً إلى الغوطة الشرقية مكان الأحداث، ليثير المخرج المشاهدين بخط درامي آخر من خلال علاقة عاطفية عابرة بين الصحفية وجون حينما تقول له: “إذا قُتلت سأحزن عليك ثم أنساك”، وفلسفة الحب بقولها: “الحب يشبه النار، والوقوع به يقتلنا، وأنا أعيش كل يوم بيوم”، لتلتقي هذه الصورة مع الحب الحارق بين خالد الشاب المثقف المترجم، والذي يمثّل صلة الوصل بين جون والأمير مع الشابة الجميلة أم زينة التي تعيش مع طفلتها، ويساعدها خالد على تأمين مستلزمات الحياة الضرورية، ليكون هذا الحب القاتل منعطفاً في أحداث الفيلم.
حافة اليأس
المنعطف الهام في الفيلم هو الصراع الداخلي الذي يعيشه جون بين تنفيذ الجريمة والحصول على الجائزة، والإصغاء إلى صوته الداخلي، لكن الشر في أعماقه ينتصر، ويتقابل هذا الصراع مع صراع خالد الذي حاول إقناع الأمير بأن هؤلاء الأبرياء مسؤوليته، ولكن ردّ الأمير: “الأبرياء شهداء والمذنبون يتقاصصون”.. يظهر المخرج التعاطف الإنساني حينما يقرر خالد إنقاذ حبيبته وطفلتها بتهريبهما إلى منزل جون، لكن المفاجأة تأتي بقدومهما على حمالة الموت مع كثيرين بعد انتشار الغازات السامة، ليقف خالد عاجزاً إزاء الشر المطلق، في حين ينتهز جون الفرصة ليلتقط صور جائزته على حساب توجيه الاتهامات الدولية لسورية، وحصد الأرواح، ولم تكتمل أبعاد الجريمة إلا بالانتقام، فلحظة وداع جون الذي يصر على إقناع خالد بالهجرة إلى بريطانيا يدرك خالد أنها لحظة موته، ليضعنا المخرج إزاء العجز الإنساني، والانكسار الداخلي، فكان من الممكن أن يثور خالد، ويفجر الموقع، ويقتل الأمير، إلا أن أنزور ويوسف توصلا إلى هذه النهاية لتبيان تبعات الحرب المدمرة التي توصل الإنسان إلى حافة اليأس.
ملده شويكاني