الزاوية القانونية التحريض على جناية أو جنحة
نصت المادة 220 من قانون العقوبات: “من أقدم فيما خلا الحالات المنصوص عليها في الفقرة الخامسة من المادة 218، وهو عالم بالأمر، على بيع أو شراء أو تصريف الأشياء الداخلة في ملكية الغير، والتي نزعت أو اختلست أو حصل عليها بجناية أو جنحة، عوقب بالحبس من ثلاثة أشهر إلى سنتين، وبالغرامة من مئة ليرة إلى مئتي ليرة، على أنه إذا كانت الأشياء المبحوث عنها في الفقرة الأولى ناجمة عن جنحة فلا يمكن أن تجاوز العقوبة ثلثي الحد الأعلى لعقوبة الجنحة المذكورة”، وهذه المادة وفق التعديل المنصوص عليه في المادة 12 من المرسوم التشريعي 85 الصادر عام 1953، وسبب تعديلها أنه قبل التعديل لم يبحث قانون العقوبات عن جرم بيع وشراء الأموال المسروقة، وكثيراً ما يكون هذا الجرم مستقلاً عن حالات التدخل، ولا يمكن معاقبة فاعله باعتباره متدخلاً بجرم السرقة، لذلك فقد أضيفت حالتا بيع وشراء المال المسروق أو المختلس، وإجمالاً المال الذي حصل عليه بجناية أو جنحة للحالات المبينة في المادة 220، وقد عرف الشارع المحرض في المادة 216 من قانون العقوبات، وقد حدد فيها نشاط المحرض بأنه الحمل، أو محاولة الحمل على ارتكاب جريمة، والمساواة بين الحمل ومحاولته، تعني أن التحريض يعتبر تاماً سواء قبله من اتجه إليه أو رفضه، فالتحريض يقوم بنشاط من صدر عنه لا من وجه إليه، ويتميز نشاط المحرض بأن له طبيعة نفسية، فهو يتجه إلى نفسية الفاعل ليؤثر عليه فيدفعه إلى الجريمة، والفرق واضح بين نشاطه ونشاط الفاعل، إذ يغلب أن تكون لنشاط الفاعل طبيعة مادية باعتباره يستعين بقوانين الطبيعة كي يحقق فعله على نحو مباشر النتيجة الجرمية، ونرى بأن التحريض أو المحرض هو خلق التصميم على ارتكاب جريمة لدى شخص آخر بنية دفعه إلى تنفيذه، أو مجرد محاولة خلق ذلك التصميم، وقد أردف الشارع تعريف المحرض بتقرير مبدأ استقلالية مسؤولية المحرض عن مسؤولية من اتجه إليه التحريض، ثم حدد بعد ذلك العقوبات التي تقع عليه، وتنقسم أركان التحريض إلى ركنين: ركن مادي قوامه النشاط الذي يصدر عن المحرض والموضوع الذي ينصب عليه، وركن معنوي هو القصد المتجه إلى تنفيذ الجريمة عن طريق شخص آخر، والركن المادي للتحريض قوامه عنصران، نشاط من شأنه خلق التصميم على الجريمة، وجريمة معينة يتمثل فيها موضوع هذا النشاط، فالنشاط الذي يصدر عن المحرض هو كل عمل إيجابي يتجه إلى التأثير على تفكير شخص آخر وحكمه على الأمور بغية خلق التصميم الجرمي لديه، ويتخذ هذا التصرف صورة إبراز البواعث التي تدفع إلى الجريمة، وتجنيد الآثار التي تترتب عليها، وتهوين العقبات التي تعترض طريقها، والإقلال من أهمية الاعتبارات التي تنفر منها، والرأي أن التحريض يقتضي من المحرض عملاً إيجابياً، فلا يقوم بموقف سلبي، ذلك أن جوهر التحريض إقناع وخلق الفكرة وتدعيم لها، وكل ذلك يقتضي مجهوداً إيجابياً، ولا بد لنشاط المحرض من موضوع ينصب عليه، هو جريمة أو جرائم معينة، ومن ثم كان التحريض بطبيعته مباشراً باعتباره ينصب على موضوع ذي صفة جرمية، وعليه فالتوجيه على الجريمة بصورة غير مباشرة، فلا يعتبر تحريضاًَ في مدلوله القانوني، وأيضاً يتحقق التحريض إذا نشأ التصميم الجرمي لدى من اتجه إليه، إلا أنه عدل عنه، ولم يقم بالجرم، أو لم ينفذه لسبب ما، فلا يشترط هنا ارتكاب الجرم لمعاقبة المحرض، وأما الركن المعنوي فهو قصد المحرض توجيه الفاعل لارتكاب الجرم، وإذا كان الركن المادي يتحقق، ولو لم ينشأ التصميم الجرمي لدى الشخص الآخر، وحتى لو لم يقم بالفعل الجرمي أصلاً، فإن الركن المعنوي يتطلب انصراف عناصره إلى إنشاء التصميم وارتكاب الجريمة،
وهذا هو العلم والإرادة، فيتعيّن على المحرض أن تكون نيته وقصده أن يقدّم من حرضه على ارتكاب الجريمة، وذلك بمدلول عباراته وكلامه الموجه للشخص الذي حرضه، وهنا إذا لم يدرك الشخص الذي تم تحريضه الدلالة الحقيقية لعبارات وكلام المحرض، بل اعتقد مثلاً أن هذا الكلام، والعبارات هي من قبيل التعبير عن الحقد أو الكره للشخص الذي تم التحريض عليه، أو لم تكن الإرادة متجهة إلى خلق التصميم، أو ارتكاب الجريمة، فإن القصد لا يعتبر متوفراً، وهنا لم تتوافر عناصر التحريض.
المحامي عمر تقي الدين