سوق بلا “أوادم”!
لا يحتاج الحديث عن صفحة جهاز السوق الرقابي السوداء إلى كثير من التردّد، بحثاً عن دلائل وقرائن تثبت تورط من يفترض بأنهم حماة المستهلك، فالمستوى الجليّ من الفساد وسوء الائتمان أوصل المراقبين إلى سمعة غير نظيفة يتناولها الجميع بإجماع غير مسبوق حول أداء غير أخلاقي قبل أن يكون خارجاً عن القانون!.
قد يكون جلّ المراقبين متورطين، ومن يتعفّف هنا لا مكان له في القطاع كله، فالتخوين وتهشيم الذاتية هما الوسيلة الأسرع والأنجع للتخلّص من الكفاءات النظيفة، ولكن الكلّ متفق على أن الكسب غير المشروع الذي يطال جيب وصحة المستهلك أصبح مستشرياً، لا بل محطّ إغراء لكل الراغبين بفرصة عمل والعاملين في الدولة الذين يسارعون ويلهثون للحصول على غنيمة عنصر رقابة مرتشٍ وحرامي!.
بصراحة لا يمكن كيل الاتهامات إلى لفيف المراقبين بالتوازي مع تبرئة البيئة الحاضنة من مسؤولين شاركوا بطريقة أو بأخرى في صناعة هذه المواصيل، وفعاليات تجارية تمارس كل فصول الجذب التي تفتك بضمائر وأخلاقيات المراقبين، موقعة بهم في شرك الرشاوى مقابل غضّ النظر عن المخالفات والتجاوزات، وما كلام المسؤول قبل المواطن عن الواقع المزري إلا نموذج يشهد على أمثاله المجتمع الإنتاجي والحكومي والاستهلاكي.
يتبادر إلى الأذهان مباشرة بأن ثمّة من يقوم بتقريع المراقب المسيء كأضعف الإيمان، وفي حال متقدمة يُعفى من موقعه، وربما يحال إلى التحقيق والمساءلة، ليخرج من يؤكد أن أمثال هؤلاء الشركاء في خراب السوق لا يبرحون مكانهم وسيستمرون بأداء عملهم بفساد قد يكبر أو يخفّ حسب السوق ووساخاته، وهنا تأتي التوجسات القائلة بأن إعوجاج العلاقة بين المراقب والتاجر سيستمر مهما حاول المسؤول الملاحقة، لأن المسألة مرتبطة بالثقافة العامة وليس بالرادع القانوني الذي يصعب تطبيقه في ظل ضعف ذات يد المواطن، ونفوذ التاجر بماله وسلطته على الموظف والمسؤول معاً بقوة الشراكة مع الحكومة في صناعة القرار، كما يسوّقون وبجرأة “إطعام الفم لتستحي العين”!!.
في سياق كهذا يحاول وزير “المستهلك” أن يُظهر نصف الكأس الملآن على قلّته بالتعويل على “الأوادم” أحياناً وعلى “أولاد الحلال” في أحايين أخرى، ومن ثم الكوادر الجديدة القادمة الذين لم تستطع الوزارة انتقاء سوى عشرات المراقبين منهم لدمشق من أصل مئات المرشحين من قبل وزارات الدولة لشغل موقع مراقب، وهي التي لا يوجد فيها سوى أقل من مئة مراقب تمويني!.
نافل القول: إن ثمة إهمالاً وترهلاً وتجاهلاً يعترف به الوزير وكلّ من يلفّ لفيف القطاع، والسعي قائم لتوعية التجار الذين يدسون المعلوم للتغاضي عن المخالفات، ولا نتوقع الكثير من التغيير على الأرض مهما وعد هذا الوزير أو غيره، لأن التعويل على الضمائر الغائبة وليس الثواب والعقاب، ولأن ما يغنمه المراقبون من التّجار أدسم بكثير مما نظن؟!.
علي بلال قاسم