حصل على جائزة أفضل عرض بسام ناصر: “فرقة الحيوانات الطيبة” عرض مختلف
شاركت مديرية المسارح والموسيقا في مهرجان الحسيني الصغير بدورته الرابعة، والمخصّص لعروض الأطفال في العراق والدول العربية، ويقام سنوياً في مدينة كربلاء من خلال العرض المسرحي العرائسي “فرقة الحيوانات الطيبة” إعداد وإخراج بسام ناصر، وذلك في أول مشاركة لمسرح الطفل والعرائس خارج القطر خلال سنوات الحرب، وقد فاز العرض بجائزة أفضل عرض مسرحي موجّه للطفل.
ويبيّن ناصر أنه تمّ ترشيح عروض عدة للمشاركة بالمهرجان، وتمّت الموافقة على العرض الذي سبق وأن قُدِّم على خشبة مسرح العرائس في دمشق أواخر العام 2017.
المسرح داخل المسرح
ويشير ناصر إلى أنه حاول في المسرحية تقديم مسرح عرائس مختلف عمّا هو سائد على صعيد الحكاية، من خلال طرحه لموضوع علاقة الطفل بالدمية التي اعتاد أن يلعب بها ويحاورها ويحكي معها. وبيّن أنه عرضٌ مختلف كذلك على صعيد الشكل والتعامل مع الدمية والفضاء الموجود ضمن لعبة المسرح داخل المسرح عن طريق طرح المشهد والتحضيرات له وظهور الممثل ومحرك الدمى ضمن هذا الفضاء، ونوّه بأنه حاول في هذا العرض الاقتراب من المسرح الغنائي أكثر من الحكاية، خاصة وأن مضمون المسرحية يقوم على فكرة إنشاء فرقة موسيقية تقدّم اسكتشات. كما أشار ناصر إلى أن سعادته كانت كبيرة حين أفاد المختصون الذين شاهدوا العرض بأنه مختلف، لأن هاجسه كان أن يكون العرض خطوة باتجاه التفكير بطريقة مختلفة بمسرح العرائس. وأكد أن المسرحية كانت جريئة على هذا الصعيد، لأن الجرأة –برأيه- أن يقدم المخرج ما يريده، والجميل أن الجمهور الذي قُدِّمَت له المسرحية قد استوعب ما تطرحه وانسجم معها، وأشار إلى أن نص المسرحية -وبالتعاون مع المشاركين فيها- خضع لكتابة أخرى على خشبة المسرح، فكانت النتيجة النهائية صيغة جماعية سهّلت للممثلين الانتقال من دور إلى آخر بكل سهولة ومتعة، حيث إن المسرحية تتحدث عن حمرون الذي يحقّق حلمه بتشكيل فرقة مسرحية من خلال الدمى التي وجدها في مستودع صاحب المزرعة الذي كان بالأساس صانع دمى.
مسرح مفتوح
ويرى ناصر أن التجريب في مسرح العرائس أمرٌ مطلوب وضروري، وهو مسرح يستوعب كلَّ الطرق التي قد يعتمدها المخرج، فالمونودراما المعروفة في مسرح الكبار مثلاً هي أمر وارد في مسرح العرائس، وهذا يعني أنه مسرحٌ مفتوح أمام كل التجارب في سبيل الاقتراب من خيال الطفل بطريقة أو بأخرى، بشرط أن يقدم كل تلك التجارب بشكل مقنع لأن لا شيء يمرّ مرور الكرام أمام الطفل، ولذلك يبدو مسرح الأطفال أكثر صعوبة من مسرح الكبار الذي يعتمد أحياناً على وجود الممثل فقط دون العناصر الفنية الأخرى، في حين أن مسرح الطفل يحتاج لمشهدية بصرية، وهذه لا تتحقق بالشكل الأفضل إلا بتوفر الإمكانيات المادية الكبيرة، والتي يحدّد توفّرها أو عدم توفّرها سوية وشكل العرض المسرحي الموجّه للطفل.
عدم الاهتمام الأكاديمي
وعلى الرغم من عراقة وقِدَمِ مسرح العرائس في سورية إلا أن المخرج ناصر يستغرب عدم الاهتمام به أكاديمياً، وأشار -وهو الذي درس في قسم النقد المسرحي في فترة الثمانينيات- إلى وجود مادة اسمها مسرح عرائس ضمن المنهاج إلا أنها تغيب اليوم عن المنهاج الجديد للمعهد العالي للفنون المسرحية بقسميه النقد والتمثيل، والسبب –برأيه- أن الاهتمام اليوم أصبح منحصراً بتصدير ممثل للتلفزيون، فغاب التخصّص في هذا المجال وغابت مشاريع التخرج التي تتوجّه للطفل، وحتى الساعة لم يُنجَز في المعهد مشروعُ تخرج واحد له علاقة بمسرح الطفل. وبرأي ناصر فإن ذلك لن يحدث لأن مثل هذه المشاريع لا تغري الطلاب لأنهم يبحثون دوماً عمن يقدمهم للمخرجين أصحاب الأعمال الدرامية والتلفزيونية، لذلك يرى أن مسرح الطفل سيبقى بعيداً عن الأضواء ولا يشاهده النقاد والمخرجون والممثلون، وبالتالي فإن الجميع يتجنّبون هذا المسرح لا لصعوبته وإنما للثقافة السائدة في مجتمعاتنا والتي تأتي فيها مكانة الطفل في الدرجات الدنيا من الاهتمام.
التعاطي بشكل أفضل
ويعتقد ناصر أن تطوير مسرح الطفل والعرائس يجب أن يبدأ من اللبنة الأساسية الموجودة لدى أطفالنا من خلال المسرح المدرسي، لذلك بدأت وزارة التربية منذ فترة ليست بقريبة بتوظيف خريجي المعهد العالي للفنون المسرحية من خلال الإشراف على هذا المسرح، ويأسف لأننا لم نشاهد نتائج إيجابية لذلك حتى الآن، والسبب –كما يرى- يعود لغياب الإدارة الصحيحة، وهذه إشكالية وقعت فيها معظم مؤسسات الدولة المعنية بالطفل، فمن يملك القرار باتّجاه فعل ما فيها ما زال غير مدرك أو أنه مستهتر بالتعاطي مع الطفل، لتبقى مديرية المسارح التي يشرف عليها مختصون تحاول قدر الإمكان التعاطي بشكل أفضل مع الطفل ضمن الإمكانيات المتاحة بين أيديها، محاوِلةً إفساح المجال لمخرجين جدد للعمل في مسرح الطفل والعرائس منعاً لتكرار الأسماء. ويرى ناصر أن هذا الأمر خطوة جيدة بهدف الاستمرار بهذا المسرح بعقلية مختلفة ولتقديم صيغة عرض مسرحي جديد. ومع أن بسام ناصر يأسف لغياب التخصّص عن مسرح الطفل على صعيد الإخراج والتمثيل والكتابة، ويرى أن مَن يعمل فيه فإنما ضمن نطاق الخبرة والموهبة، وهي أمور ضرورية في أي مجال، فما بالنا بمسرح الطفل؟ إلا أنه مقتنع أن التخصّص يجب أن يُسبَق بالموهبة والاهتمام بهذا المسرح.
جمهور متعطش
وبالنظر لواقع مسرح الطفل والعرائس يبيّن ناصر أن ما هو إيجابي في هذا المسرح أن جمهوره موجود وبكثافة وهو متعطّش لمسرحه، وأكبر دليل على ذلك حضوره الكبير في مهرجان مسرح الطفل الذي تقيمه سنوياً مديرية المسارح والموسيقا، مشيراً إلى أن أهم ما يميز هذا الجمهور أنه جمهور العائلة، حيث لا يأتي الطفل وحده لحضور عروضه بل تأتي العائلة كلها معه.
ويختلف المخرج ناصر مع من يقول إننا نفتقر لوجود نص مسرحي طفلي لقناعته بأن لدينا كتّاباً يكتبون للطفل، وهناك الكثير من النصوص في مكتبتنا صالحة، لكن المشكلة -برأيه- هي هاجس الأنا لدى المخرجين لاستكمال الكمّ المالي والذي يجعلهم يفضِّلون أن يكونوا الكاتب والمعدَّ والمخرج والممثل أحياناً في الوقت نفسه، وهذا يبعدهم عن البحث عن نصوص للأطفال، مؤكداً أن مديرية المسارح إن أرادت أن تقدّم نصوصاً ذات نوعية جيدة من المفترض أن تدعو الكتّاب إلى تقديم نصوصهم إليها، بهدف شرائها لتنتقي منها ما هو جديد ومن ثم تقوم بتكليف أحد المخرجين بتقديمها، وبهذه الطريقة يتمّ تشجيع الكتّاب للكتابة لهذا المسرح، دون أن ينفي ناصر أن الكتّاب الذي يكتبون للطفل مقصّرون من ناحية التعريف بنصوصهم، والإعلام مقصّر أيضاً في تسليط الضوء على هذه الأعمال.
سوية فكرية عالية
ويشير ناصر إلى أن صفحات وسائل التواصل كثيراً ما تقوم بتسليط الضوء على عروض طفلية تُقَدَّم هنا وهناك في البلدان العربية، والجميع يقف منبهراً بها وبسويتها الفنية، مؤكداً أن مسرح الطفل والعرائس في سورية قادر على تقديم مثل هذه العروض لو توفرت له الإمكانيات الكافية، لأن مسرح الطفل في سورية لا تنقصه الخبرة ولا الكوادر البشرية العاملة فيه، وكل ما ينقصه فقط الإمكانيات الجيدة، وهو يسعى جاهداً إلى أن يقدم عروضاً بسوية فكرية عالية، وهي غالباً ما تلقى الإعجاب والثناء من قبل الجميع لأن مديرية المسارح حريصة كل الحرص على تقديم عروض بسوية لا يمكن التنازل عنها، بفضل إصرار العاملين فيها على تقديمها بأفضل صيغة ضمن الإمكانيات المادية المتاحة، خاصة وأن مسرح الطفل ليس له ميزانية خاصة، وميزانيته جزء من ميزانية المديرية.
أمينة عباس