دعوة.. إلى أمسية!
حسن حميد
جاء إليَّ صديقي الأديب الذي أحب، ودعاني، بعد أن شربنا القهوة، أن أصحبه إلى أمسية أدبية، حقاً ما عدت أذكر. قلت: لمن هذه الأمسية، أهي لأحد الأصدقاء. قال: لا، إنها لشابة. وأتوقع أن يكون عدد الحضور كثيراً! قلت: أنت تعرف رأيي، لا جدوى من هذه الأماسي لأن التفاعل الحقيقي غائب. قال: لا.. تعال سترى ما يذهلك! وراح يقنعني بالحضور، وأنا أرفض.
صديقي يجايلني، لي وله أكثر من ثلاثين سنة ونحن نتابع مسارات النص الأدبي، وحراك الأجيال الإبداعية والثقافية، ونرصد الظواهر الغريبة التي تبدو على حياء، أول الأمر، في المشاهد الثقافية ثم تصير من الثوابت أو المسارات التي لا حيدة عنها، قال لي: تعال لأثبت لك أن الضبابية لا تشمل كتّاب الشعر أو القصة أو الرواية هذه الأيام فحسب، وإنما تشمل من يحيط بهم من حملة المشاعل، واليافطات، والمباخر! قلت راجياً: ليتك توضح الأمر. قال: أهل النصوص الضريرة، لهم جمهورهم الخاص بهم، سترى دائرة من الضبابية موصولة بتيار مشترك يبدأ بالمناداة على حضور الأماسي والأنشطة الثقافية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، ولا ينتهي بالبطاقات المطبوعة، وأغمار الورد والصور، والقول المترادف: نتشرف بالحضور! وصولاً إلى قاعة النشاط، وهناك ستجد، يقول صديقي، ما يدهشك، عريف أو عريفة تقدم الشاعر أو الشاعرة، القاص أو القاصة، وناقد متقدم يتحدث عن من سيقرأ، ثم قراءة للنصوص، ثم ناقد آخر يعقب، يدلل على رجاحة التجربة وإيمانه بها، ثم شهادات مترادفة، كل واحدة منها أهم من شهادات البراءة! قلت: كل هذا سيحدث! قال: طبعاً، وربما أكثر! قلت: أنا وإياك حضرنا أمسيات لكبار الشعراء والأدباء والمفكرين، ولم نر مثل هذا! قال: عليك أن تطوي عهدك بما كان! وأضاف: أتظن أن الدكتور عبد السلام العجيلي كان بحاجة لمثل هذه الأمور، أو الشاعر أدونيس أو الشاعر محمود درويش كانا بحاجة لمثل هذه الطقوس! قلت: يبدو أن هؤلاء الكتّاب اليوم على قناعة أن النص الأدبي وحده غير قادر على الوصول، ولهذا هم يستعينون بالسلالم! قلت: المقدمون، والمعقبون وأهل الشهادات! قال: والتلفزيون، والإذاعة، ومواقع التواصل الاجتماعي! قلت: لكن إن كان النص ضعيفاً، والتجربة ضعيفة، والمقدمون، والنقاد، وأصحاب الشهادات ضعفاء، فإن الفضيحة ستكون مجلجلة! قال: هذا ظنٌ ليس إلا. قلت: كيف! قال: ومن سينتبه للنص الأدبي المقروء. قلت: وإلى ماذا سينتبه الحضور غير النص. قال: سينتبهون للمقدمين والنقاد وأهل الشهادات. قلت: لكن النص هو المتن، وما تبقى ليس سوى هوامش! قال: دعك من المتون والهوامش، وكن حضارياً، أخرج من عقلية أيام زمان.. وتعال! قلت: كيف لي أن أخرج من المعاني التي آمنت بها، من أن النص وحده هو الرسول إلى الناس. قال: يا أخي! قلت مقاطعاً: كيف أدع ما عرفته عن الأدباء الذين سبقوني، يوم كان بدر شاكر السياب، ومن قريته جيكور، يرسل قصيدته، إلى مجلة الآداب فتنشر، وتلحق بها قراءات نقدية لا توافي جمالها، ويوم كان فواز عيد يرسل قصيدته من مخيم جرمانا إلى مجلة الآداب فتنشر ويكتب عنها أهم النقاد العرب العارفين بأسرار الشعر! ويوم كان محمد عمران يرسل قصيدته من قريته الملاجة إلى مجلة الآداب لتجاور قصائد صلاح عبد الصبور وأحمد عبد المعطي حجازي ومحمد الفيتوري! قال: قلت لك.. كن حضارياً، وامشِ مع الماشي! قلت: اعذرني فأنا أحسُّ بعجزي، وعدم قدرتي على المشي. قال: لماذا؟! قلت: لأنني لست مقتنعاً بهذا الدرب أصلاً، عفواً، ولا بهذه الطقوس جملةً، قال: أهذه خلاصة قولك. قلت: ووصيتي أيضاً!!
Hasanhamid55@yahoo.com