ثقافةصحيفة البعث

عيدهنَّ العظيم

في عيدهنَّ تسمو كل المعاني, وتسمو أناشيد المحبة وكأنها ترتيلة الشيء القدسي الذي يُلقي السلام علينا ويقول: وماذا عن الأم؟ ماذا عن فيض العطاء الواهب, وجذوته المتوهّجة بمعاني السموّ الخالص, معاني الودّ وشعاعه المُحب، معاني الصبحُ وبعض عظمته إذ آتى ليبارك عيدهنَّ،  وغدت الشمس تحبو لأجلهنَّ والوقت يُرتلُ لحنه على توقيت كلامهنَّ, يُرتلُ الزمن قوافي عطاء الأم وقاموسها المزركش بحزن الأعوام، من حيث آتى بحرها وغمر بفيضه العظيم كل ما حولها، إنه الفيض الأجمل، فيض المحبة من حولنا.

الصبحُ ينشرُ طيبه من حيث عطرهن، وعطرهن يشبه مجدليات الألم, يشبه نبعهن الأرقى، ووقتهن الأبهى يُشعلُ بخوره من رحيق التعب، كم من المواسم يجب أن ترتدي أثواب صبرهنَّ؟

إنها الأم  أقدس كلمة, أبهى شيء في الكون، ما أجمل عيدها! حقاً يسمو الوصف عندها، تزدهي كل الألوان من لون عطفها, ومن عطف ودّها، حقاً تسمو كل الأعياد في عيدها, سُنبلها يكبرُ, وردها يشعُّ,  بخورها يشتعلُ, زرقة بحرها تزينُ كل الأمكنة..

في عيدها البهيّ تمشّطُ الشمس بعض جدائلها, تستلهم طهرها من أرغفة الحبق ومن قمح الطيبة، تستلهم ذاك الترميز الأعظم, تستلهم من صبرها الحبُّ بكل معانيه, وترشفُ شموعاً دائمة التوهج في حضرة الشوق الأبهى, دائمة الترفع إلى أقاصي الوجد المشتاق.. إنها الأم و هل من كلمة أقدس؟ وهل من لغاتٍ من لحن المحبة أفصح حالاً وأبلغ لساناً؟

في عيدها  الأبهى ينتشي الرحيق ليقول كلمته العُليا, كلمة  النخيل ورطبه الأجمل وتراتيل وقته الأجمل,  تراتيل العطاء وقناديل الشوق تلك التي تُضاء إذا ما سمع صراخ ثُكلى، وتيبّس  الريحان, وبقيت الذكرى والبخور حكاية ألم تُروى, جمرها يشتعل حنيناً كدمعه المشتاق لا يجف.. هكذا تحتفل الأمهات في بلدي, يقدمنَّ قرابين المجد فلذات الأكباد, يُقدمنَّ الأقمار، يصبرنَّ على حكايات الوجع الأزليّ, يكتبن أبجديات أخرى كأوغاريت أو كأحرف مُشبهة الشوق الأزلي، مُشبهة التراتيل المخمليّة وصوتها الشجيّ, صوتها العطوف, صوتها المخمليّ الذي يُزيّن كل الأزمنة، يمنحها قدسية خاصة بها, يسمو على إيقاع كلماتها كأنه المجد الواهب.

في عيدها الأجمل يولد الجمال وتُضاف إلى قواميس المحبة تجليات سامية الوعد, يُضاف إلى قواميس الصبر مجدليات طهر لا تعرف إلاّ الانكفاء عند بحر الجود الممتد من حيث عظمة الأم وحرفها القدسي، وإن نطق توزع ترياق المحبة على الكون كله, توزع بين أنة تعبٍ وأخرى, وبين أناشيد الطُهر ومريميات حالها المشتاق.

في عيدها ينتشي الكون  قصائد من محبة  تُضاء على لحن الأغنيات, هدهدة الشوق منذ أن كان صغيراً, تسامى الوقت بعطر من عمّدني في محراب الأمومة, عمّدني وكأنّه شعاع الضوء أراد الاقتراب منيّ, وما  أبهى الضوء من فلذة الروح؟ وهل من سعادة أكبر من تلك؟ وهل أبهى من ذاك الضوء الذي يُشبه السرمد، لكنه السرمد الذي لم يستوطن كثيراً في قلب أمهات وطني، كأنه السواد اختار طُهر قلوبهنَّ وكأنّ سوريتنا الحبيبة أرادت أن تتعمّد بدمع أرواحهنَّ، وتنتظر أن يُلقى وشاح السلام صرخة شوق على أبنائهنَّ, أبناء الشهادة المقدسة.. ننتظر أن يُلقى على وجه حزنهنَّ الدفين ووعيدهنَّ العظيم.

منال محمد يوسف