تحقيقاتصحيفة البعث

الأم.. مربية الأجيال وصانعة الشهادة

يصعب أن يمر يوم عظيم في سورية كعيد الأم دون أن نتذكر فيه أم الشهيد تلك السورية العظيمة التي تشبه أرض آذار بعطائها، حين ترويها بأغلى ما تملك، ثم تزيد سقياها بدموعها عندما تودع ابنها الشهيد، فتزهر شقائق نعمان، ويتُعطر تُراب الأرض، وتنبعث روح الحياة فيه، في يوم الأم تكفكف أم الشهيد دموعها ابتهاجاً بيوم ربيعي جميل، وذكرى سنوية سعيدة. وترسم على وجهها المعطاء ابتسامةً راضيةً، ففي يوم كهذا اعتادت معايدة من ابنها الذي قضى شهيداً في معركة الانتصار لسورية والدفاع عنها، لا صوت اليوم يردد صدى كلماته: “كل عام وأنت بخير عيد أم سعيد يا أمي”. لا صوت إلا لريحٍ تعانق تراب الأرض التي احتضنت جسده الطاهر، وحملت معها رائحة دمائه المقدسة زكيةً عطرةً برائحة الورود والرياحين، فأفاضت دموع الوالدة الثكلى في لحظة الذكرى لولدها الشهيد بيوم عيدها.

تكفكف أم الشهيد السورية دموعها، وترسم ابتسامة راضية، وهي تعلم وتدرك جيداً أن ابنها الذي استشهد في معركة الدفاع عن الأم الروحية المقدسة سورية.. ضحوا بأرواحهم لصناعة مجد قادم يكتب مع استمرار الصمود السوري الأسطوري يوماً بعد آخر رغم أنوف كلّ الغزاة والمعتدين وأدواتهم الإرهابية الحاقدة على التاريخ والحضارة والإنسانية التي بدأت من سورية، وستنتهي إليها.

في يوم الأم وعيدها هذا العام، لا أجدر من أم تكرّم كأم الشهيد، تلك الأم التي صنعت الرجال المقاتلين والأبطال الأشداء، وقدمتهم نذوراً رخيصة في سبيل الدفاع عن تراب سورية، أي عطاء أعظم من تقديم تلك الأم لقطعة من روحها وجسدها في سبيل نصرة الوطن وعليائه؟! لتستمر رغم كل ذلك شامخة منتصبة الهامة، مرفوعة الرأس، عالية الجبين، وتبقى الأم التي تقدّم وتعطي دون حدود للعطاء، وتحنو دون حدود للحنان، وتبقى الأم التي تصنع النصر في كل الميادين.

في يوم الأم هذا العام تمر على سورية سبع سنوات عجاف، عانت معها ويلات الإرهاب، وخسرت الكثير من أبنائها في معركة الدفاع عن التراب والهوية أمام القتلة والمجرمين، لكنها عرفت في المقابل صموداً من نوع آخر، عنوانه الأم السورية، وتلك القصص الكثيرة التي تشهد بعظمتها، وكيف كانت الحاضنة التربوية والوطنية التي قدمت الكثير، ما أكثر القصص التي عرفناها عن أمهات سوريات يشاركن في صناعة النصر، فتجدهن في الخطوط الأمامية التي تدور المعركة مع الأعداء فيها، يقدمن الطعام للجنود، ويعالجن الجرحى، ويرفعن المعنويات، ويشحذن الهمم.

وبعد

سبع سنوات أصبحت الأمهات السوريات رجالاً بكل ما للرجولة من معان نبيلة وقيم مقدسة، أصبحت الأم هي التي تربي، وتعلّم ابنها، وهي التي تعمل في الوقت نفسه، لتقدّم لنا الدروس والمعاني والعبر، وتكرمنا بأن تكون وساماً لامعاً في صدر الوطن قبل أي تكريم نخصها فيه.

بلوعة مشتاقٍ ترفع والدة الشهيد يديها ابتهالاً للسماء، تردد دعاءها الدائم “أن احمِ يا رب كل أبطال جيشنا العربي السوري، أن أعدهم يا رب إلى أمهاتهم سالمين، أن ارحم يا رب ولدي الشهيد واحفظه في ملكوتك، واكتب مجد سورية وانتصارها والخزي والهزيمة والمذلة للأعداء والمتآمرين”، تؤكد أم ربيع أنها أيضاً، ومن تبقى من أبنائها مشروع شهداء قادمين، لأنها تعلم تماماً أن مرحلة مخاض النصر السوري باتت وشيكة جداً، وتهون في سبيلها كل الآلام والأوجاع والأحزان.

محمد محمود