محادثات واشنطن – بيونغ يانغ .. والضمانات المطلوبة
ترجمة: علاء العطار عن موقع فالداي
لا يجب المغالاة في تقدير أهمية التقارير إزاء إمكانية عقد اجتماع بين دونالد ترامب وزعيم كوريا الديمقراطية، كيم جونغ أون، فقد قال الرئيس الأمريكي: إن زعيم كوريا الديمقراطية مستعد لبحث مسألة نزع الأسلحة النووية في شبه الجزيرة الكورية معه، لكن كيم جونغ أون لم يعلن عن شيء من هذا القبيل، والمعلومات المرتبطة بهذه القضية لا تأتي إلا من جانب كوريا الجنوبية، ولكن هذا ليس جديداً، فعلى مدار العقدين الماضيين، أعلنت بيونغ يانغ مراراً عن رغبتها في الدخول في محادثات مباشرة مع الولايات المتحدة.
وإلى الآن، لا موعد محدداً للاجتماع المزمع عقده بين ترامب وكيم جونغ أون، وفي الأثناء قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض، سارة ساندرز، إنه لن يتم عقد أي اجتماع حتى تتخذ كوريا الديمقراطية إجراءات معينة بشأن نزع السلاح النووي، وهو ما تتوقعه منها الولايات المتحدة، لكن من المستبعد أن يبدأ كيم جونغ أون مصافحة مع ترامب بالتخلي عن برنامجه النووي، الذي يعمل بمثابة درع أمني لكوريا الديمقراطية، فهو يتذكر تماماً كيف شكر الغرب الرئيس الليبي معمر القذافي على تخليه الطوعي عن البرنامج النووي، ولا يريد أن يواجه المصير نفسه.
وتعليق المناورات العسكرية الأمريكية-الكورية الجنوبية ليس أهم أمر تطلبه كوريا الديمقراطية من أمريكا، فلا شك أن بيونغ يانغ تسعى لبدء حوار سياسي مع واشنطن يهدف إلى الحصول على اعتراف دبلوماسي، ورفع بعض العقوبات، وتوفير مساعدات اقتصادية.
وبالإمكان أيضاً التطرق إلى مسألة الوجود العسكري الأمريكي في كوريا الجنوبية، حيث تم نشر قوات أمريكية بعد معاهدة الدفاع المشترك المتبادلة بين الولايات المتحدة وكوريا الجنوبية (1953)، وبالنسبة لواشنطن، فإن وجودها العسكري هو أحد مقومات “القيادة الأمريكية” العالمية، حيث تُعد شبه الجزيرة الكورية العنصر القاري الوحيد للوجود العسكري الأمريكي في شرق آسيا، إلى جانب أن كوريا الجنوبية تعزز القوة العسكرية الأمريكية في منطقة المحيط الهادئ بشكل أكبر من اليابان بكثير، التي مازالت تقيدها المادة التاسعة في دستورها، لذا فإن تحسين العلاقات بين الولايات المتحدة وكوريا الديمقراطية، ليست مسألة بسيطة بالنسبة للمؤسستين السياسية والعسكرية في أمريكا.
وإذا حدث وعقد الاجتماع بين ترامب وكيم جونغ اون، فمن الصعب أن ينتج عنه أكثر من مجرد صورة تجمع بين الزعيمين، فالخبراء يشيرون إلى أن ترامب وكيم جونغ اون ليست لديهما أية خبرة في المفاوضات الدولية المعقدة مع شريك أجنبي صعب الإرضاء، ويتطلب حل مسألة البرنامج النووي لكوريا الديمقراطية مناقشة دقيقة ومفصلة حول الضمانات الأمنية، خاصة بالنسبة لكوريا الديمقراطية، وكوريا الجنوبية، ومن ثم بالنسبة لروسيا، والصين، واليابان، وجميع البلدان الأخرى في المنطقة، وينبغي أن تكون هذه الضمانات متينة ومقنعة بما يكفي بشكل لا يترك مجالاً للشكوك، كما أن هذه الضمانات مطلوبة من مشاركين آخرين في المحادثات السداسية لمجلس الأمن، ففي آخر الأمر، سيتعين على بيونغ يانغ أن تلتزم بعدد من الإجراءات المبرمة فيما يتعلق، على سبيل المثال، بتوفير الوصول إلى المعلومات السرية، ناهيك عن التفكيك المادي للبنية التحتية النووية والصاروخية بأكملها، أما جميع الخطوات المتوقعة من الولايات المتحدة فيمكن عكسها بسهولة: يمكن استئناف المناورات العسكرية، وفرض العقوبات مجدداً، وإبطال معاهدة السلام، وإلغاء الاعتراف الدبلوماسي، وما إليه.
ومن المهم أيضاً معرفة مدى وفاء الولايات المتحدة بالتزاماتها بموجب المعاهدات التي ستوقعها، فقد انسحبت واشنطن طواعية من معاهدة الحد من الصواريخ البالستية، ومن الشراكة عبر المحيط الهادئ، كما يتحدث ترامب الآن عن إلغاء خطة العمل الشاملة المشتركة مع إيران، كل هذا، وخصوصاً مستقبل الصفقة الإيرانية، يرتبط مباشرة بكوريا الديمقراطية، فإيران تعتقد أن عليها أن تلغي برنامجها النووي مقابل قيام الولايات المتحدة برفع العقوبات، ولكن إن غدت الصفقة الإيرانية ورقة مساومة في بعض الاعتبارات الجيوسياسية، فهل بالإمكان إقناع كوريا الديمقراطية بالموافقة على خيار مماثل يمكن سحبه في أي وقت؟!.. فبعد أن امتلك زعيم كوريا الديمقراطية صاروخاً نووياً بعيد المدى، يبدو أنه قرر أن هدفه الاستراتيجي الرئيسي، وهو ضمان أمن كوريا الديمقراطية من الولايات المتحدة، قد تحقق، ويمكن تعليق السباق النووي الآن، ولكن، سواء أكان هذا الوضع دائماً أم لا، فإنه يعتمد على سلوك واشنطن.