ما الذي تتستر عليه بريطانيا؟
لماذا يحاول الغرب الربط بين قضية تسميم العميل الروسي المزدوج وقضية الكيميائي السوري؟.
سؤال لا بدّ من الإجابة عنه بعد أن اتهمت موسكو صراحة الغرب بالربط بين هذه الحادثة والملف الكيميائي السوري، وخاصة أن روسيا لا تزال إلى الآن تقف في وجه الولايات المتحدة وأتباعها في مجلس الأمن بخصوص اتهام الجيش السوري وسط تحذيرات من أن الإرهابيين الذين تدعمهم واشنطن يعدّون لاستخدام السلاح الكيميائي في الغوطة الشرقية.
والواقع أن هذه التحذيرات شكلت جدار الصدّ الأول في وجه كل الدول التي تدعم فبركة مشاهد توحي بهجوم كيميائي يحدث في الغوطة، ما يعني أن سورية وروسيا تحركتا في مجلس الأمن بطريقة استباقية قطعت على واشنطن وأتباعها التذرّع بالكيميائي لتوجيه ضربات لسورية، وعرقلت التقدم في الغوطة.
وفي قضية العميل سيرغي سكريبال، لا يستطيع المراقب إلا أن يلاحظ أن ردّ الفعل البريطاني لا يتناسب أبداً مع الفعل الروسي لو حدث فعلاً، فحرب الجواسيس حرب قائمة في العالم ولها طريقة في التعامل معها وليس مجلس الأمن المكان الأنسب للتحدث عنها، لذلك لا ينبغي النظر إلى الموضوع من هذه الناحية بوصفه اعتداء على السيادة، وذلك أن هذا العميل كان عميلاً مزدوجاً، ولو كان هذا الأمر اعتداء على السيادة لاقتضت محاسبة لندن أولاً على ذلك لأنها جنّدته لمصلحتها وهو في طور خدمته لبلده الأم روسيا.
ولكن الغريب رفض بريطانيا المرور بمنظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية، لفتح تحقيق من خلالها، بل ذهبت بريطانيا ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية مباشرة إلى اتهام روسيا، وتبعها تقليدياً عدد من الدول الأوروبية مثل ألمانيا وفرنسا، وهي الدول ذاتها التي تقود حملة قوية على روسيا لانخراطها في حرب حقيقية على الإرهاب في سورية، ما أجاز لموسكو مباشرة الربط بين اتهام روسيا بتسميم العميل الروسي والملف الكيميائي السوري، للقول لاحقاً بعد تقديم المادة ذاتها للمجموعات الإرهابية في الغوطة لاستخدامها هناك: إن المادة ذاتها التي استخدمت في تسميم العميل الروسي في بريطانيا هي التي تم استخدامها في الغوطة.
إذن، هناك آلية جديدة تقوم الولايات المتحدة باستخدامها تتمثل بدفع دولة ما مثل بريطانيا إلى فبركة فكرة تسميم العميل الروسي، لأن تصدّي واشنطن لهذه المهمة مباشرة بات مفضوحاً، بينما تعمل هي على حشد الدعم لهذا الاتهام في الغرب وصولاً إلى تثبيت فرضية استخدام روسيا السلاح الكيميائي في الغوطة أو تقديمه للجيش السوري، في محاولة لتطويق روسيا في مجلس الأمن ومنعها من الوقوف في وجه واشنطن إذا تصرّفت منفردة من خارج مجلس الأمن ضد سورية، وهذا ما يفسّر الإصرار الروسي على الطلب من بريطانيا السير بإجراءات قانونية في هذا المجال عبر منظمة حظر انتشار الأسلحة الكيميائية.
ولكن السؤال الكبير الذي طرحته روسيا وترفض بريطانيا حتى الآن الإجابة عنه، هو: ما الذي تخفيه لندن ولا تظهره في موضوع تسميم العميل سكريبال؟ وهل هذا الاتهام محاولة لابتزاز روسيا فيما يخص الملف السوري؟.
هناك إشارات كثيرة إلى أن بريطانيا متورّطة إلى حدّ كبير في تزويد إرهابيي الغوطة بغازات سامة وذلك أن منظمة الخوذ البيضاء التي أشرف جهاز المخابرات البريطاني “إم آي 6” على إنشائها موجودة في الغوطة الشرقية، وفي فضيحة أشار إليها المندوب السوري في مجلس الأمن الدكتور بشار الجعفري، طلبت إحدى الهيئات الأممية العاملة في دمشق من الدولة السورية إخراج أربعة وسبعين عنصراً من هذه المنظمة من الغوطة دون البحث في كيفية خروج آلاف المدنيين الذين تتخذهم الجماعات الإرهابية دروعاً بشرية لها هناك، ما يعني بشكل أو بآخر أن هؤلاء ربما يكونون مرتبطين بأجهزة استخبارات غربية، أو هم ضباط استخبارات فعليون، وهم غالباً مرتبطون بلندن بحكم تصدّر بريطانيا للتصعيد ضدّ روسيا في مجلس الأمن، وارتفاع صوتها على نحو غير مسبوق كلما أشرف الجيش السوري على الإطباق على المسلحين في الغوطة أكبر دليل على ذلك.
طلال ياسر الزعبي