معادلة البطالة الجامعية فجوة كبيرة بين الجامعات وسوق العمل.. والحلول تحتاج إلى تشاركية حقيقية
“الشغل مو عيب”، هي الجملة التي رددها على مسامعنا أحمد، وهو أحد خريجي كلية السياحة بإحباط كبير وغصة مريرة، حملها شاب ذو 23 عاماً، استطاع بإرادته الصلبة وعزيمته مواجهة مصاعب الحياة التي تتلخص بكونه المعيل الوحيد لأسرته، والذي من المفترض أن يحصل على عمل يناسب مؤهلاته العلمية والدراسية، ويكسبه مردوداً مادياً يمكّنه من مساندة عائلته والاستقرار، لكنه أضحى بعد حصوله على الشهادة الجامعية “شوفير تكسي”، وذلك بعد رحلة طويلة في البحث عن عمل تكللت بالفشل بسبب الحواجز الوهمية التي تتطلبها سوق العمل، والتي تتمحور غالباً بأن الطالب الذي أمضى 4 سنوات من عمره على الأقل في دراسة الكم الهائل من المواد غير مؤهل، ولا يملك أية (خبرة عملية)، وهنا تكمن المعادلة المستحيلة التي لم يتمكن أحد من الطلاب حتى الآن حلها، فكيف يمكنهم تحصيل خبرة عملية غائبة في المناهج الجامعية طالما يتم رفضهم في كل عمل يتقدمون إليه بحجة قلة الخبرة.
بين الحلم والواقع
بينما يضيف خالد، أحد أوائل خريجي كلية الاقتصاد: إنه دخل كلية الاقتصاد، ودرس تخصص المصارف عن رغبة مسبقة أولاً، ولتحقيق أحلام والده ثانياً، ولكن بعد تخرجه بدأ الحلم بالتبدد، كون أول شروط التوظيف هي خبرة من ستة أشهر لسنة، وشهادات رديفة ببرامج المحاسبة، كالاكسل والأمين والرشيد، بالإضافة إلى إتقان اللغة الانكليزية، والتي بدورها هي دورات غير منتهية ومكلفة، ويستحيل على طالب خريج، ومن عائلة بسيطةمادياً الحصول عليها جميعها، فلذلك أصبح عمله كمحاسب في أحد محلات الشاورما أمراً ممكناً وضرورياً يكفي أن يكسبه مالاً يشعره بالاكتفاء المادي.
كما تعاني رند “خريجة كلية الإعلام” من عملها بصالون تجميل على الرغم من حملها شهادة جامعية، وذلك لأن دخول إحدى المحطات التلفزيونية، أو الإذاعات يتطلب منها امتلاك خبرة عملية غائبة في المناهج الجامعية، وقد تكلفها ثروة كبيرة تنفقها على معاهد التدريب الإعلامي المنتشرة في البلد، والتي غالباً ما يكون الهدف الأسمى لها تجارياً بحتاً.
بصيص أمل
البحث في موضوع البطالة الجامعية، قادنا إلى مركز التوجيه المهني التابع لجامعة دمشق على الرغم من محدودية إمكاناته، لكنه في الواقع هو بصيص الأمل، والجهة الوحيدة تقريباً التي تتعامل مع الشريحة الجامعية الطالبة للعمل، حيث التقينا مدير المركز الدكتور عبد السلام زيدان الذي لخّص لنا واقع المركز، والمهمة التي يقوم بها: تم افتتاح المركز من ثماني سنوات لمحاولة الربط بين الطالب وسوق العمل، حيث يلعب المركز دوراً أساسياً في إعادة بناء ثقة الطالب بنفسه لإزالة الإحباط واليأس التي تعوقه عن استثمار إمكانياته أولاً، ومن ثم توجيهه التوجيه الصحيح بإخضاعه للدورات التي تتناسب مع مجال دراسته، حيث إن المركز مهيأ لإقامة دورات مجانية بالاختصاصات الجامعية كافة “دورات هندسية وطبية، بالإضافة إلى المحاسبة وغيرها”، كما يقدّم المركز شهرياً من 4 لـ 6 ورشات تدريبية، تتراوح مدتها من أسبوع إلى أسبوعين، ودائماً يكون الهدف الأساسي من إقامة هذه الدورات هو توعية الطالب بأهمية تطوير مهاراته، ووضعه على بداية سكة دخول سوق العمل، مع التأكيد بأن الدور الأول لتنمية خبرات الطالب العملية يكون بتقديم القطاع الخاص يد العون من خلال استقبال الطلاب “بستاجات” تدريبية، ليكون الدور متكاملاً ومتبادلاً بين كل من الجامعة، وأرباب العمل، والمركز، والطالب.
وأضاف: للأسف حتى الآن ثقافة التدريب معدومة بسبب عدم اقتناع أرباب العمل بجدوى هذه الخطوة، ويمكن تجاوز ذلك من خلال سعي الجامعة لبناء مصالح مشتركة مع أرباب العمل، وإشراكهم بتطوير المناهج، وعن المشاكل التي يواجهها المركز اليوم، أكد زيدان محدودية إمكانيات المركز التي لا تغطي سوى 5% من الاحتياجات الطلابية، وتعود إلى اقتصار المركز على قاعتين تدريبيتين فقط مقابل 150 ألف طالب جامعي تقريباً، ما يدفعنا إلى تقليص أعداد الطلاب المقبولين، لكن ما يدعو للتفاؤل أن المركز حظي في الآونة الأخيرة بوعود جدية من جهات راعية، ومبادرات لتزويد المركز بعدد من المدربين المتطوعين، ما يساعد على توسيع الشريحة الطلابية المستفيدة لتصل الى 10 آلاف طالب خلال عام دراسي كامل.
مبادرات شبابية
طالب كلية الاقتصاد محمد زنزول، 22 عاماً، والطالبة بيان نصري، خريجة كلية العمارة، أطلقا مبادرة “إعمار” على صفحات التواصل الاجتماعي، والتي تتمحور في أربع نقاط أساسية، منها صقل المسار الأكاديمي والمهني للطالب، وبناء سلة مهارات، وتقديم خدمات استشارية تربط الطالب الخريج بسوق العمل، حيث تقوم المبادرة بإجراء العديد من الدورات التدريبية المجانية التي تزود الطالب بالمهارات والخبرات المهنية التي تمكنه من دخول سوق العمل، كما تم إجراء أكثر من 20 دورة من بداية انطلاق المبادرة حتى الآن، من ضمنها دورات في اللغة الانكليزية، والكمبيوتر، وإدارة المشاريع، وبلغ عدد المستفيدين من المبادرة 300 طالب، تم توظيف البعض منهم، مع التأكيد على سعي إدارة المبادرة إلى تأهيل كوادر جديدة لتوسيع عدد المستفيدين، وأنه ببداية الشهر القادم سيتم إطلاق الموقع الالكتروني الرسمي الذي سيشكّل مرجع الخريج الأساسي للاستفادة من دورات التأهيل، سواء المجانية التطوعية، أو المأجورة بأسعار تنافسية رمزية.
فجوة ضخمة وطاقات مكبوتة
“أحمد وخالد ورند”، عينة صغيرة من مجتمع جامعي شبابي كبير يعج بالبطالة وخيبات الأمل، فبدلاً من استثمار هذه الطاقات الشبابية بكافة الفروع الجامعية، سواء العلمية أو الأدبية، وتنميتها وتوجيهها إلى المنحى الصحيح لتساهم في تطوير البلد، والمضي به بعد هذه الأزمة الطاحنة، يتم تجاهل قدراتهم، ودفعهم بطريقة غير مباشرة للهجرة.
بالمحصلة نحن مع قول العديد من الإداريين الذين التقيناهم بأن المهمة الرئيسية للجامعات والمعاهد هي التعليم والتربية والتخريج، وأن التوظيف ليس من سلم أولوياتها، ورغم ذلك تبقى مهمة ربط سوق العمل بالجامعات مسؤولية مشتركة كونها تسهم في الحفاظ على الكوادر البشرية الشابة، فلا أحد منا ينكر الفجوة الضخمة بين التعليم والعمل، وخاصة في القطاعات الخاصة التي لا تبذل أي مجهود لاستقطاب الخريجين وتدريبهم، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن القطاعات العامة تقوم بإجراء المسابقات على الرغم من أن التعيينات ضئيلة جداً مقارنة بنسبة الخريجين العاطلين عن العمل، ولكنها مقبولة في ظل هذا الواقع المرير.
ليلاس العجلوني