التعذيب “ماركة حصرية” بالحروب الأمريكية
ترجمة: هيفاء علي
عن لوغراند سوار 25/3/2018
أخيراً استفاق ضمير محكمة الجزاء الدولية التي قررت فتح تحقيق واسع حول الجرائم المرتكبة من قبل كل الأطراف في أفغانستان، خاصة الأمريكية منذ أيار 2003، وما من مؤشر على توقف الجرائم الأمريكية في هذا البلد من آسيا الوسطى، فعلى امتداد تاريخها، اجتاحت الولايات المتحدة، وغزت وتدخلت في كثير من البلدان عبر العالم، واستخدمت أساليب تعذيب وحشية لخنق حركات التمرد ضدها، وكل من يعرف تاريخ الولايات المتحدة الدامي، تحديداً في أمريكا الجنوبية وجنوب شرق آسيا، يعلم أن جهاز استخباراتها “السي أي إيه” قام بتعذيب وقتل مفكرين ويساريين وقوميين في هذه الدول، وعمل على تشكيل حكومات دمى رجعية وإجرامية لتطبق وتمارس أساليب التعذيب نفسها، كما أن القوى الامبريالية الأوروبية، حليفة الولايات المتحدة، استخدمت الأساليب ذاتها في دول تخضع لهيمنتها.
في أفغانستان، ترافقت الحرب مع إقامة مراكز اعتقال سرية تديرها “السي أي إيه” لنقل برنامجها غير القانوني المسمى “الترحيل القسري”، أساليب التعذيب المروعة التي حجبت تحت مسمى “تقنيات استجواب متطورة” لخداع الرأي العام الأمريكي حول الطبيعة اللاإنسانية لهذه المعاملة، واستخدمت ضد المعتقلين الأفغان، وفي بعض الحالات، كانت تعيد المعتقلين إلى الاستخبارات أو البوليس الأفغان المعروفين بتورطهم في التعذيب، فمجلس الشيوخ الأمريكي كان قد حصل على تقارير متفرقة وعديدة، وعلى صور مروعة عن سجن “أبو غريب” في العراق، وعلى قصص مرعبة عن السجناء في معتقل “غوانتانامو”، إضافة إلى عشرات الشهود عن ضحايا برنامج “السي أي إيه” حول “الترحيل غير القانوني”، كل هذه الأمور حركت الوعي لدى العالم، ولكن لا شيء يشير إلى أنها توقفت، وموافقة الاتحاد الأوروبي التكتيكية على إقامة مراكز اعتقال سرية في الدول الأعضاء به جعلته شريكاً في أعمال التعذيب الوحشية التي تعرّض لها السجناء، وعلى الرغم من المعلومات الموثوقة حول الضحايا وقصصهم المؤثرة، فقد تم استثمار مراكز الاعتقال هذه على مدى سنوات طوال على أكمل وجه، إلا أنه لم يكن هناك أي تحقيق جدي، ولا ملاحقة قضائية للدول المعنية، والتقرير الصادر عن محكمة الجزاء الدولية هو أحد الشواهد النادرة على هذه الممارسات غير القانونية التي تواصلت على امتداد الحروب الأمريكية في العقود الأخيرة، فإتلاف البراهين من قبل “السي أي إيه” عام 2005، والتصنيف السري لتقرير لجنة مجلس الشيوخ الاستخباراتية حول أساليب التعذيب المتبعة من قبل “السي أي إيه”، هما الموقف الرسمي الذي تبنته الولايات المتحدة أمام هذه الجرائم الخطيرة، ففي قضايا من هذا النوع، يقوم عادة بهذه التحقيقات والملاحقات الجيش الأمريكي نفسه، وعليه، إما ستتم تبرئة المتورطين، أو سيتم الحكم عليهم بعقوبات خفيفة.
التعذيب هو ماركة تصنيع حصرية بالحروب والغزوات الأمريكية، جرائم الحروب الأمريكية في أفغانستان والعراق كانت تمضي من القتل إلى الاعتقال غير القانوني، مروراً بالمداهمات الليلية والتعذيب، ومراكز الاعتقال التابعة “للسي أي إيه” في أفغانستان سرية للغاية، ولا تخرج منها المعلومات إلا نادراً، وأكبر مركز اعتقال للأشخاص الموقوفين من قبل الولايات المتحدة يتواجد في قاعدة “باغرام” الجوية قرب كابول، ولا تتوفر معلومات حول وضع السجن، ولا عدد السجناء، ولكن حسب بعض التقديرات هناك 600 معتقل معظمهم لم يحاكموا بعد، ولم يسمح لهم بتوكيل محام، وبعض الوثائق المسربة عن لجنة مجلس الشيوخ حول ممارسات “السي أي إيه” في التعذيب تشرح تقنيات التعذيب المستخدمة في مراكز الاعتقال، والتي تتضمن: الضرب المبرح، شل حركة السجناء، تنويمهم لساعات طويلة، حرمانهم من الطعام، وضعهم في وضعيات صعبة لساعات طويلة، واستخدام الكلاب لإهانة السجناء الأفغان هو أسوأ معاملة صادمة شهد عليها الشهود، كما رأينا صوراً مماثلة للجنود الأمريكيين يعذبون المعتقلين العراقيين باستخدام الكلاب، واستخدام أساليب التعذيب نفسها، شهود كثيرون رووا طرق التعذيب التي تعرّضوا لها أو رأوها بأم العين، ففي عام 2002 تلقى سجينان أفغانيان بريئان حتفهما تحت التعذيب على أيدي جنود أمريكيين، ضحايا آخرون رووا حجم الرعب الذي عايشوه في المعتقل، ولكن لم ينشر أي تقرير رسمي كامل حول موضوع المعتقل، حتى إن البعثة التي تم إرسالها إلى موقع المعتقل للتحقيق حول ادعاءات التعذيب غضت الطرف عن الظروف والأوضاع فيه، وخلصت إلى القول بأنها ليست “غير إنسانية”.
حقيقة، إن غياب جهاز قضائي محلي نزيه في أفغانستان، وحدود وسائط محكمة الجزاء الدولية نفسها، ونتائجها السيئة عندما تلاحق دولة ما أو شخصاً ما، لا تدعو إلى التفاؤل من أجل الضحايا الأفغان الأبرياء الذين لا يطلبون شيئاً سوى العدالة، والتعويض عن معاناتهم في السجون الأمريكية عبر هذه المحكمة، بالطبع لم تعترف الولايات المتحدة بالمعاهدات الدولية الهامة، ولم تصادق عليها بذريعة أسباب تتعلق بتهديد أمنها القومي، إلا أن السبب الحقيقي هو أن مصادقتها على هذه المعاهدات مع محاكمها تعيقها في تحقيق طموحها المتعلق باستمرار الهيمنة على العالم، والقيود التي تفرضها على مواطنيها وفق قوانين حول قضايا مختلفة تثبت هذه الحقيقة، وتطبق هذه السياسة على الساحة الدولية، علينا ألا ننسى أن العدالة تغدو مخنوقة بطريقة منتظمة من قبل القوى الغربية الامبريالية عندما تشعر أن مصالحها الأنانية مهددة بالخطر، أما الاتحاد الأوروبي الذي صادق على معاهدة روما، وعلى العشرات من المعاهدات المتعلقة بحقوق الإنسان، والذي يزعم أنه حامل راية حقوق الإنسان في عالم اليوم، فهو الآخر متورط في برنامج “الترحيل غير الشرعي” الذي وضعته “السي أي إيه”، ويقبل وجود مواقع اعتقال سرية في دوله الأعضاء، الشهود وصفوا الجرائم المرتكبة في هذا البرنامج، ولكن لم تفكر أية دولة بفتح تحقيق عادل ونزيه من قبل محاكم الاتحاد الأوروبي، أو محكمة الجزاء الدولية، لقد بات مؤكداً اليوم أن هذه المعاهدات، المحاكم والمؤسسات الدولية بلا جدوى، وتحولت إلى جمهور يشاهد انتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها الدول الغربية القوية، ومع شعاراتهم الطنانة حول العدالة وحقوق الإنسان، فإن القوى الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة، أكبر المنتهكين لحقوق الإنسان، وهي دول خبيثة وماكرة، هذه القوى لا تقدم أية مساعدة، ولا إغاثة للضحايا، لأنها بكل بساطة هي نفسها المجرم الحقيقي الذي يرتكب هذه الجرائم الوحشية.