موسكو: واشنطن تبتز العالم في قضية سكريبال وسنرد على الوقاحة

رغم رفض بريطانيا تقديم أي دلائل مقنعة تدعم فرضية تسميم روسيا للجاسوس سيرغي سكريبال، سارع الغرب إلى تأجيج حرب دبلوماسية ضد موسكو، الأمر الذي يطرح الكثير من التساؤلات، ويرى خبراء أن اتهام روسيا بتسميم سكريبال جزء من صفقة مبرمة بين لندن، والتي تسعى إلى تقليل العبء المالي على الميزانية جراء خروجها من الاتحاد الأوروبي والاستفادة من الغطاء الأمريكي و”ضماناته” بهذا الشأن، وواشنطن، والتي تسعى لتهميش روسيا في سوق الطاقة الأوروبية واستبدال، مثلاً، الغاز الطبيعي الروسي بالغاز المسال الأمريكي المضغوط، فضلاً عن الحفاظ على هيمنتها على العالم عبر تشكيل، وفي أسرع وقت، تحالف جديد لإضعاف روسيا، برئاسة فلاديمير بوتين خلال فترة ولايته الجديدة، بأكبر قدر ممكن.
قضية سكريبال، والتي أضحت شماعة غربية للثأر من الاتحاد الروسي، تشهد فصولاً متسارعة، فغداة إعلان الإدارة الأمريكية ترحيل 60 دبلوماسياً روسيا، وإغلاق قنصلية موسكو في سياتل، والذي تزامن مع إعلان 26 دولة أوروبية وغربية ترحيل دبلوماسيين روس من أراضيها، سارع حلف الناتو لطرد سبعة دبلوماسيين روس ورفض اعتماد ثلاثة آخرين، الأمر الذي يؤكّد أن بريطانيا تستغل سياسة “التضامن” بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي لإفساد علاقاتهم الدبلوماسية مع روسيا، حسبما أعلنت المتحدّثة باسم الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، والتي أضافت: إن بريطانيا لم تقدم لروسيا وثيقة توضيحية حول قضية تسميم سكريبال وابنته يوليا، وتجاهلت طلبات إطلاع موسكو على فحواها.
وأوضحت زاخاروفا أن السفير الأمريكي لدى موسكو جون هانتسمان زعم أن هناك وثيقة وزعتها لندن لسفارات الدول الأجنبية في روسيا تتضمّن توضيحات لندن لما حدث في سالزبوري، لكن وسائل الإعلام وموسكو لم تتمكنا من الحصول عليها، وبالتالي لا تزال هذه الأدلة المزعومة، التي تتوفّر لدى السفارة الأمريكية، حسب ما يقوله السفير، غير معروفة، وهذا الأمر يدل على عدم الاتساق بين مواقف الحلفاء الغربيين، وأضافت: “كل الخطوات تتخذ بصورة مستعجلة، وهم غير قادرين حتى على تنسيق مواقفهم بين بعضهم بعضاً”. وشددت زاخاروفا على أن روسيا ستتخذ “إجراءات جوابية مناسبة” رداً على طرد دبلوماسييها، وعلى أن التطوّرات الأخيرة مجرد حملة سياسية لتشويه صورة روسيا.
إلى ذلك، أكد وزير الخارجية الروسية سيرغي لافروف أن لا أحد يتحمّل وقاحة واشنطن وابتزازها، وأوضح أن الابتزاز يعتبر الآن الأداة الرئيسية لواشنطن في الساحة الدولية، معتبراً أن قرار عدد من الدول الغربية بشأن طرد دبلوماسيين روس جاء نتيجة عملية ابتزاز وضغوط هائلة مارستها الولايات المتحدة على حلفائها.
فيما قال نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف: “إن موسكو مستعدّة للعمل البناء مع واشنطن، لكن قرارها بطرد الدبلوماسيين الروس لن يبقى دون رد صارم”.
وتعقيباً على تصريحات واشنطن في قضية سكريبال، قال ريابكوف، أمس: “إن واشنطن مرة أخرى تعتمد اتهامات كاذبة ضد روسيا، تهدد وتحاول قلب كل شيء رأساً على عقب”، وأضاف: “إن موسكو تدعو لندن إلى دراسة المواد الرسمية، وعدم إصدار تصريحات على الإنترنت عن موقف روسيا من قضية سكريبال، والتوقّف عن تضليل المجتمع الدولي”، وأضاف: “إن الشخصيات الرسمية البريطانية تواصل كلام هراء”، مضيفاً: “أدعو زملاءنا في لندن الذين يتباهون دائماً بأنهم دقيقون في تصريحاتهم ألا يعتمدوا على أقوال أي شخص، فقط لأنه يحمل جواز سفر روسي، على أن تصريحه يمثّل وجهة نظر موسكو الرسمية”.
ودعا المسؤول الروسي البريطانيين وقياداتهم إلى تحليل ودراسة المواد التي نشرتها وزارة الخارجية الروسية بتمعّن، كما جدّد دعوته إلى لندن بعدم تضليل البريطانيين والمجتمع الدولي، فهذا “سلوك غير محترم”، حسب تعبيره.
إلى ذلك، اعتبر سفير روسيا لدى واشنطن أناتولي أنطونوف أن التبريرات الأمريكية التي تمّ على أساسها إغلاق القنصلية الروسية في سياتل تكشف أن قضية سكريبال مجرد ذريعة لطرد الدبلوماسيين الروس، وأضاف: “إن الإدارة الأمريكية أكدت بكل صراحة أن إغلاق القنصلية العامة لروسيا جاء بسبب قربها من قاعدة الغواصات ومصنع حربي لشركة بوينغ”، وتساءل: “ما هي إذن علاقة قضية العميل البريطاني سكريبال وابنته بغلق القنصلية الروسية؟”، وتابع: “إن عدم وجود أي حقائق تؤكد اتهامات واشنطن ولندن لنا لا يمكن إلا أن يثير الشكوك حول التنسيق الوثيق والتخطيط المشترك لما حدث”.
وأوضح الدبلوماسي الروسي أن المشاكل الداخلية التي تحاول واشنطن ولندن صرف الانتباه عنها بذريعة التهديد الروسي لن تختفي، مضيفاً: “إن خصومنا بكل بساطة لا يحبذون رؤية روسيا القوية التي أظهرت قدراتها مؤخراً”، فيما أكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة فاسيلي نيبنزيا أن الولايات المتحدة تسيء استخدام الامتيازات التي تتمتع بها كدولة مستضيفة لمقر الأمم المتحدة، مشيراً إلى أنها استغلت ذلك لطرد عدد من الدبلوماسيين الروس في المنظمة الدولية، وقال: “إن طرد الدبلوماسيين الروس إضافةً إلى الخطوات غير الودية الأخرى مثل تقييد الوصول إلى العقارات الدبلوماسية الروسية ورفض إعطاء تأشيرة الدخول لأعضاء البعثة الروسية وغيرها يمكن النظر إليها فقط على أنها استغلال من قبل واشنطن للامتياز الذي تتمتع به كدولة مضيفة لمقرات الأمم المتحدة”.
بدوره، أعلن رئيس لجنة التشريع الدستوري في مجلس الاتحاد الروسي أندريه كليشاس أن طرد عدد من موظفي البعثة الروسية الدائمة لدى الأمم المتحدة يتعارض مع ميثاق المنظمة الدولية ويهدد سير العمل فيها.
في الأثناء، صرّحت وزيرة الخارجية النمساوية كارن كنايسل بأن بريطانيا ومنظمة حظر الأسلحة الكيميائية لم تقدّما أدلة قطعية على تورط روسيا في تسميم الجاسوس سكريبال وابنته، وأضافت: “إنه لهذا السبب بالذات لم تتخذ النمسا قراراً بطرد دبلوماسيين روس”.
وكالات