طلّابُنا خارج التّغطية؟!
أن نكرّر السّقوط في الحُفرة ذاتها، وفي التّوقيت ذاته كلّ عام؛ فهذا يعني أنّنا لم نتربَّ من أخطائنا، ولم نتعلّم من دروسها!
فكيف إذا كان المعنيُّ: وزارة التّربية الّتي لم تجشّم نفسها عناء السّؤال: أين طلاب شهادتينا الإعداديّة والثانويّة من مقاعد الدّراسة الآن؟ ولماذا يقبعون في بيوتهم تحت مُسمّى “القطع” للامتحانات قبل شهرين من استحقاقاتها؟
لا شكّ بأنّها ظاهرة تستحقّ إماطة اللّثام عنها، والوقوف على أسبابها نقاشاً وتمحيصاً لما تستبطن من تفلّت وفوضى، وخلل تربويّ، ألف بائه: التّخفُّف من الواجب؛ إذ إنّ غياب طلابنا وطالباتنا عن مدارسهم قبل نحو شهرين من الامتحانات لمسألةٌ تستوجب أولاً: مُساءلة الوزارة بأنظمتها وقوانينها وكوادرها عن أمانتها للدّور المنوط بها؛ باعتبارها الحارس الرّسمي للجيل وحاضنته! من دون أن ننسى المسؤوليّة المجتمعيّة بدءاً بالأسرة والمجتمع المحلّي والأهليّ وانتهاءً بالطّلاب أنفسهم!
وفي استقصاء أوليّ أكّد عددٌ لا بأس به من الطّلبة أنّهم يتغيّبون عن الدّوام المدرسي الرّسميّ قبل الامتحانات بحكم العادة؟! أي إنّ الغياب أصبح ثقافة سائدة في المجتمع؟!
وأجمع جمٌّ غفيرٌ منهم على أن سبب تغيّبهم قبيل موسم الامتحان يعود إلى انتهاء المناهج! ولا ضير من “القطع” بحسب تعبيرهم، استغلالاً للوقت في الدّراسة والتّحضير! وهي نسبةٌ تضمّ من الطّلبة من يعدّون أنفسهم حريصين جداً على وقتهم من الضّياع وأنّه لا جدوى من حضورهم يوميّاً إلى المدرسة في الفترة التي تسبق الامتحانات مباشرة! على حين لم يخشَ العديد من الطّلبة الآخرين القول: إنّ غيابهم كان لمجرّد الغياب، وليس لغرض الدّراسة؟!
وثمّة من أنحوا باللائمة على دور البيئة المدرسيّة غير الجاذبة، ومسؤوليّة المعلمين عن تلك الظّاهرة، مؤكّدين أنّ البيئة المدرسيّة الطّاردة والمفتقرة للتّحفيز كانت سبباً رئيسيّاً في تغيّبهم؟!
وأجمعت الأغلبيّة منهم على أنّ السّبب في التغيّب كان مُسايرةً لزملائهم في المدرسة أو اقتداءً بأقرانهم في مدارس أخرى!
ولا ريب في أنّ تساهل المدرسة في تطبيق اللّوائح الخاصّة بالتّغيب، وسلوكيّات بعض المعلّمين في “سلق” المقرّرات وإنهائها سريعاً، وإعطاء المسوّغات أو الإشارات بضرورة القطع تصريحاً أو تلميحاً، وعدم اكتراث الطّلاب بنتائج الغياب وما يترتّب عليها، إضافةً إلى استسهال الأسرة غياب الأبناء عن المدرسة، وضعف وشائج التّواصل بين المدرسة والأسرة: هي الأسباب الأهمّ في استفحال المشكلة وتفاقمها!
وفي حين لم يُنكر عددٌ كبير من مدرّسي الشّهادتين الإعداديّة والثّانوية الخلل الذي يعتري الجسم التّربويّ، والمنظومة التّعليمية؛ بما هي جزء من هذا المجتمع وتعاني ما يعانيه من أمراض؛ فإنّهم كشفوا عن سخطهم من المناهج الضّخمة المرهقة للطّالب والمدرّس في آنٍ معاً، وأعربوا عن استيائهم من عدم قدرة الإدارات المدرسيّة على الحزم، أو اتّخاذ قراراتٍ رادعة بسبب إحباط هذه القرارات من قبل الإدارات الأعلى تحت ذرائع شتّى!
ولم يُخفِ الجمّ الغفير من المدرّسين تذمّره من سلوك ضعاف النّفوس في السّلك، إذ حمّلوا زملاءهم جزءاً لا بأس به من المسؤوليّة لأسباب ذاتيّة تتعلّق بموت الضّمير المهنيّ لدى البعض، أو لأسباب موضوعيّة تتكئ على ذرائع الأجر الزّهيد غير المتّسق مع متطلّبات المعيشة واحتياجات الأسرة. في حين حمّل أكثرُ المدرّسين انغماساً في الدّروس الخصوصيّة الطلاب والأهل وزرها ومسؤوليّتها؛ لكونهم يتوزّعون بين: من يعدّها موضةً، أو حالة “بريستيج”، أو علامة تباهٍ وتشاوفٍ اجتماعيّ؟!
والحال أنّ وزارة التّربية تغدو في قفص الاتّهام – وهي تشاهد كلّ عام خروج طلابنا عن التّغطية – وهي بلا ريب مدعوّة لاجتراح الحلول لها، بدءاً بسنّ أنظمةٍ رادعة لكوادرها المُفرّطة بحقوق الطّلبة، والتّشدد في توزيع المقرّرات والخطّة الدّرسية حتى آخر يوم دراسي، مروراً بتحصين العمليّة التّعليميّة بسلّة ردعٍ تمنع الطّلبة من التّهاون في التزام الدّوام، وانتهاءً بخلق بيئة مدرسيّة جاذبة، مُعزّزة لربط المجتمع – والأسرة أولاً – بالمدرسة من خلال فعاليّات تحفيزيّة للطّلبة وتوعويّة لأولياء أمورهم!
أيمن علي
Aymanali66@Hotmail.com