الإرهـــاب الالكتـــروني
ترجمة وإعداد: إبراهيم أحمد
هل باتت شبكة المعلومات العنكبوتية الالكترونية أداة مزدوجة الاستخدام، تقّدم للعالم فرصة التلاقي فكرياً ومعرفياً من جهة، وتزخم الإرهاب والإرهابيين حول العالم بأفضل وسيلة للتنسيق والتخطيط من جهة ثانية؟ وإذا كان الإرهاب ظاهرة ليست حديثة، إلا أن إرهاب الانترنت هو الإقرار الجديد، إنه إرهاب الغد، نظراً لتوسع وتنوع أهدافه، وتنوع المجالات المستهدفة، وقد بدأ بالفعل يشكّل خطراً حقيقياً حول العالم الحقيقي والرقمي دفعة واحدة. وإذا كان الإرهاب الحقيقي يحتاج إلى أسلحة ومدرعات وقنابل وتحركات سرية جداً قد تصيب أو تخفق، علاوة على التكاليف المادية لإنجاح هذه العمليات، فإن الإرهاب الالكتروني يحتاج إلى بعض المعلومات ليستطيع اقتحام الحواجز الالكترونية، كما أن تكاليف القيام بهذه الهجمات لا تتجاوز جهاز حاسوب والدخول إلى الشبكة العنكبوتية. لقد ازداد عدد المواقع التي تخدّم وتدعم الإرهاب والإرهابيين إلى نحو 5 آلاف موقع، ولهذا كان لابد من لقاء دولي يتنادى فيه الجميع من أجل وضع خطوط دولية لمكافحة الإرهاب، الوجه الأحدث في “منظومة الشر” التي تطل بوجهها القبيح على إنسان القرن الحادي والعشرين.وكما هو معروف، فإن الإرهاب الالكتروني لا يترك أي دليل مادي بعد ارتكاب جرائمه، ما يصعب عليه التعقب، واكتشاف أساس الجريمة، إضافة إلى سهولة إتلاف الأدلة في حال العثور على أي دليل يمكنه إدانة الجاني. إن مستخدمي هذا النوع من الإرهاب يمتازون بخلفيات وخبرات في استخدام الأجهزة الحديثة، كما أن هناك نقصاً كبيراً في الخبرات لدى الجهات المسؤولة عن كشف المخططات الإرهابية الرقمية، وهناك أسباب ودوافع للإرهاب الالكتروني منها:
1– دوافع شخصية مثل: الإحباط والفشل في تحقيق بعض الأهداف، ما يولّد في نفس البعض النقص، ومحاولة إكماله عن طريق هذه العمليات، وأيضاً حب الشهرة، والرغبة في الظهور، ولفت الانتباه، والشعور بالنقص، وعدم الشعور بالانتماء للوطن والولاء له.
2- دوافع فكرية مثل:
– الفهم الخاطئ للمبادئ والشرائع السماوية.
– التشدد والغلو في نشر الأفكار والتعصب.
3- دوافع سياسية مثل: الظلم والسيطرة وبسط النفوذ والاحتلال.
وهناك أسباب اجتماعية مثل: التفكك الأسري الذي يؤدي إلى انتشار الأمراض النفسية، والانحراف عن الطبيعة، وإهمال التربية الحسنة التي توجّه الشخص بالتحلي بالأخلاق، وتعزيز حب الأوطان، وبيان ما هو صالح مما هو فاسد.
والإرهاب الالكتروني يرمي إلى زعزعة الأمن ونشر الخوف والرعب وإخلال النظام، وتهديد وابتزاز الأشخاص والسلطات العامة والمنظمات الدولية، إضافة إلى السطو وجمع الأموال، ويتنوع أشكال الإرهاب الالكتروني من التهديد إلى القصف وتدمير أنظمة المعلومات إلى التجسس وسرقة المعلومات، سواء أكانت سياسية أو اقتصادية أو شخصية أو عسكرية.
وفي كتابه “الإرهاب على الشبكة العالمية” يتحدث الكاتب الأمريكي غابر يل ويمان وخبير الإرهاب الدولي عن الانترنت كأداة مساعدة للمنظمات الإرهابية في التحكم الكامل في اتصالاتهم ببعضهم البعض، ما زاد من اتساع مسرح عملياتهم الإرهابية، وبالتالي أصبح من الصعب اصطياد هذا الوحش الالكتروني الجديد وطعنه في مقتل.
إلى ذلك يعتبر الكثيرون من المتخصصين في مكافحة الإرهاب الالكتروني، أن الانترنت يُمثّل كنزاً معلوماتياً، يُمكن للإرهابيين الاستفادة معرفياً منه. لقد اعترفت الولايات المتحدة الأمريكية بتفوق “القاعدة” في حربها الإعلامية الالكترونية، إذ تضاعفت المواقع والمنتديات الجهادية بشكل كبير منذ الإعلان عن تأسيس “الجبهة العالمية لقتال اليهود والصليبيين” عام 1998، من 12 موقعاً إلى أكثر من ستة آلاف موقع في الوقت الراهن، كما أن مئات المواقع تظهر وتختفي سنوياً في سياق حرب الشبكات التي تدور رحاها بين الأجهزة الاستخبارية من جهة، وأتباع وأنصار الجماعات الجهادية وتنظيم القاعدة من جهة أخرى.
وفي تقرير مطوّل للإذاعة البريطانية (بي بي سي) عن كيفية استخدام “داعش” الانترنت للترويج لنفسها، نجد أن قراراً مثيراً، وذلك إضافة إلى المذابح التي تقترفها في أماكن تواجدها، فإن التنظيم الإرهابي ربما يكون قد نجح في وضع وتنفيذ خطة استراتيجية معقدة لاستخدام وسائل التواصل الاجتماعي للترويج لنفسه، والخطورة الفعلية في استخدام “داعش” للانترنت، تكمن في أن نطاق مثل هذا العمل يقع في منطقة الترويج الفكري والأيديولوجي للجماعة الإرهابية، ومحاولة كسب تعاطف فريق، والعمل على انضمام فريق آخر إلى جماعتها المنتشرة حول العالم، ولعل الكارثة الأكثر هولاً، والتي لم ينتبه إليها الكثير من المراقبين، هي أن “داعش” يمكن وعبر الترويج لأفكاره من خلال الشبكة العنكبوتية أن تستقطب المئات، وربما الآلاف من المريدين لها والتابعين لفكره، والساعين إلى العنف على مثاله، من دون الحاجة إلى انتقالهم من دولهم وبلادهم في شرق العالم وغربه، عبر ما يعرف بظاهرة “الذئاب المنفردة”، أي الإرهابي الذي يعمل بمفرده ومن دون ارتباطات هرمية أو تراتبية مع أي من المنظمات الإرهابية حول العالم، وقد كانت ثورة الانترنت هي القوة الدافعة وراء موجة الهجمات التي ينفذها إرهابيون يعملون بمفردهم، مانحة هؤلاء فرصاً لا حد لها، فالإرهابي يجد كل ما يريد على الانترنت من التعليمات التي تشرح له كيف يصنع عبوة ناسفة إلى الخرائط والمخططات التي تحدد مواقع أهدافه، والتساؤل المطروح هل سيقف العالم مكتوف الأيدي أمام هذه الظاهرة التي تعد واحدة من أبشع الظواهر والمظاهر؟.
يبدو أن هناك بالفعل ما يشبه الحرب العالمية على إرهاب الانترنت، وسبل منع “داعش” من استخدام فضاءات الانترنت ومواقع التواصل لتجنيد مقاتلين، وكيفية محاربة الرسائل المتطرفة التي يبثها هذا التنظيم الإرهابي، ودور الحكومات والعلماء في نبذ الإرهاب ومحاربة دعوات التحريض على العنف. إن دعاية “داعش”، وكافة المتطرفين عبر الانترنت هي حرب رهيبة، تهدف إلى تجنيد وإفساد عقول أشخاص أبرياء، وأن هزيمة “داعش” الحقيقية تكون بإسقاط شرعية رسالة هذا التنظيم الإرهابي الموجهة إلى الشباب الذين لديهم نقاط ضعف.
ويمكن القول: إن معركة الانترنت مع إرهابيي اليوم ليست سهلة، إرهابيو اليوم على درجة عالية من التحصيل العلمي والتقني، ولديهم خبرات تكنولوجية لا يستهان بها، ولهذا فإن حرب الانترنت بالدرجة الأولى هي حرب أفكار تتجاوز المواجهة في ميادين القتال، ومن هنا تبرز الإشكالية الجديدة التي تسهم في تعقيد ملامح المشهد الدولي.