ترامب بين نووي إيران وكورياالديمقراطية
ترجمة: علاء العطار
عن موقع يوراسيا ريفيو 24/3/2018
ويحاول ترامب في الوقت نفسه أن يغوي كوريا الديمقراطية إلى انتهاج سياسة لنزع السلاح النووي، أو على الأقل إلى تجميد النشاط النووي لمنعها من تطوير التكنولوجيا الصاروخية لديها، ولكن، بالنظر إلى القضية الإيرانية، لماذا على كوريا الديمقراطية أن تبرم مثل هذه الصفقة؟.
يبدو أن الساسة والخبراء الغربيين لا يمتلكون أية ذاكرة تاريخية، عندما تراجعت الولايات المتحدة عن الاتفاقيات السابقة، أو تباطأت في تنفيذها، فقد أبرم الرئيس بيل كلينتون اتفاقاً رائعاً مع كوريا الديمقراطية، ليُهجَر في الكونغرس الذي هيمن عليه الجمهوريون آنذاك، والذي قوض هذا الاتفاق برفضه تنفيذ الالتزام بإنهاء العقوبات وتحرير التجارة، ولو لم يقم الجمهوريون بتخريب هذا الاتفاق، لما امتلكت كوريا الديمقراطية في الغالب قنابل نووية اليوم، وتنعمت بالكهرباء التي يولدها مفاعل نووي آمن يعمل بالماء الخفيف تحت إشراف الولايات المتحدة- وهو مفاعل لم يكتمل إنشاؤه- وبات يمثل دليلاً محزناً لما كان يمكن أن يتحقق.
وإن أراد ترامب إبرام صفقة مع كوريا الديمقراطية، فسيتوجب عليه أن يوقف هجومه على إيران، وسيتعين عليه أن يكف عن إضفاء الصبغة الشيطانية على تلك البلاد، وأن يكف على دفع بعض الدول العربية لتتسلح أكثر كي تقف في وجهها، فصفقة الأسلحة التي أبرمها مع السعودية مؤخراً كانت لهذا الغرض.
كما أن الدول العربية تمر بحالة من الفوضى، فمصر تحت وطأة اضطراب شديد، وسورية في حالة حرب، والعراق الذي ضَعف بعد الغزو الأمريكي له، والأزمة الخطيرة التي افتعلتها السعودية ودول الخليج العربي مع قطر، وآلاف الأبرياء اليمنيين الذين تقتلهم السعودية، فيما عدا الأردن الذي يمر بحالة طبيعية نوعاً ما، فهل هذا الجهد الذي تبذله الولايات المتحدة لشيطنة إيران هو محاولة لإعادة بناء وحدة زائفة بين العرب الذين تدعمهم عبر محاصرة إيران؟.
ومن المفارقات أنه في عهد الرئيس جيمي كارتر جرت محاولة لتمكين نظام الشاه محمد رضا بهلوي للتأكد من هيمنة إيران عسكرياً- بصفتها حليفاً للولايات المتحدة- على الخليج، في الواقع، ساعدها ذلك على متابعة بحثها بشأن القنبلة النووية.
لكن الثورة الإسلامية غيّرت كل ذلك، وشعرت الولايات المتحدة بأنها مدينة للشاه المخلوع، ومنحته ملاذاً في الولايات المتحدة، وطالبت إيران بعودة الشاه لتتم محاكمته بتهم عديدة تتراوح وتبدأ من الفساد إلى انتهاك حقوق الإنسان، وبدلاً من ذلك، اختارت الولايات المتحدة والعديد من شركائها الأوروبيين تضخيم الخلاف.
ثم قاد صدام حسين العراق إلى حرب استنزاف ضد إيران استمرت ثماني سنوات، والتي توسطت الأمم المتحدة في النهاية لإيقافها، ولم يخرج أي من الطرفين منتصراً، وكانت الولايات المتحدة في عهد الرئيس رونالد ريغان قد زودت العراق بالأسلحة والمعلومات التي جمعتها من استطلاعاتها الجوية، وأدار معظم الغرب ظهره عن استخدام صدام للأسلحة الكيماوية، وهو ما رفضت إيران استخدامه، وهلكت نتيجة هذه الحرب التي خيضت على الأراضي الإيرانية عشرات الآلاف من الأرواح البريئة.
كانت إحدى طرق انتقام إيران من الولايات المتحدة هي محاربة “إسرائيل”، وتعزيز مفهوم المقاومة، إلى جانب محاربة تنظيم “القاعدة” صنيعة أمريكا، وفي وقت لاحق، ساعدت إيران الحكومة السورية في حربها على الجماعات الإرهابية التي تدعمها الولايات المتحدة أيضاً.
كل هذا النشاط الإيراني كان رداً على السلوك الأمريكي، وهذا ما يجب أن تتوقعه الولايات المتحدة وحلفاؤها عندما تحاصر أي بلد.
وكان يمكن للصفقة النووية أن تكون بمثابة خطوة لخفض النشاط العسكري الإيراني، لكن عدائية ترامب تجعل هذا الاحتمال بعيد المنال.
في الأشهر الثلاثة المقبلة، ستتمحور المسألة حول: هل بإمكان ترامب أن يتعلّم من تاريخ الأخطاء الأمريكية؟ فهو يواصل في الوقت الراهن التعامل بشكل هدّام مع إيران من جهة، بينما يحاول التعامل بشكل بنّاء مع كوريا الديمقراطية من جهة أخرى، غير مدرك حجم التناقض في سلوكه هذا؟!.. وكيف له أن يُطمئِن كوريا الديمقراطية إلى أن الاتفاق الذي ستُوقع عليه لن يُلغى؟! يظل هذا هو السؤال الأهم.