مشاهد العنف تحرض السلوك العدواني لدى الأطفال.. وللأسرة دورها في المعالجة
أمثلة سوداوية كثيرة أنتجتها الحرب لأطفال يفترشون الشوارع، ويتسولون ويمارسون العنف ضد أقرانهم، ومثلهم فتيات مراهقات فقدن الأهل، ويبحثن في ظل أوضاع اقتصادية سيئة عن ملاجئ للسكن، ويتعرّضن معها لأبشع أشكال الاستغلال والابتزاز، فيفقد هؤلاء الأطفال ملامح طفولتهم، ويكبرون قبل أوانهم، ويضيعون في دروب الانحراف والجنوح، وتكثر الأمثلة والقصص التي نسمعها عن حالات مختلفة من العنف المنتشر بين الأطفال، وحتى أولئك الذين يتواجدون ضمن المدارس، أو الذين تسربوا منها نتيجة ظروف الحرب، ومن إحدى تلك القصص التي وصلتنا ما حدث مع قصي ابن الثماني سنوات حين تعرّضت له مجموعة من الفتية في طريق عودته من المدرسة، وقاموا بضربه وسلبه المصروف اليومي الذي كان بحوزته، ومن القصص الأخرى كذلك حين أمسك عناصر الأمن في إحدى المؤسسات بصبي صغير للاشتباه به كونه كان يحمل سكيناً في يده قبل أن يتبيّن أن الفتى يحاول قضاء ليلته في مرآب المؤسسة لعدم وجود مكان يؤويه، وغيرها من القصص الكثير!.
واقع وأولويات
تبدو الحاجة اليوم ملحة لإحداث مراكز دعم اجتماعي جديدة تتابع حالات العنف المنتشر بين الأطفال على كثرتها، ومنحها المزيد من الدعم والاهتمام من قبل الوزارات المعنية، وتحديداً وزارة الشؤون الاجتماعية، لاسيما أن الأطفال هم الشرائح الأكثر هشاشة في المجتمع، والأكثر عرضة للتهميش في وقت الحروب، والأقل استقبالاً للخدمات المتاحة في المجتمع، وهنا يأتي دور كل المؤسسات المعنية في تقديم الحماية والرعاية لهذه الحالات من خلال المعاهد والهيئات المتخصصة بعد دراسة نفسية واجتماعية لتلك الحالات، وبحسب تأكيد العديد من المختصين في مجال الدعم النفسي، والشأن الاجتماعي، فالطفل حتى ولو كان جانحاً، وذا سلوك عدواني، فهو ضحية، واليوم هناك أطفال كثيرون بحاجة لعلاج نفسي نتيجة ظروف الحرب، خاصة أولئك الذين فقدوا ذويهم، ويحتاجون لتعقب أسري ولم اجتماعي، وبالتالي فهناك أدوار هامة ومنتظرة من قبل المختصين والجهات المعنية، يواكبها إصدار قوانين وتشريعات مناسبة.
عنف مكتسب
وبعد ما يزيد عن سبع سنوات عاش فيها أطفال سورية على تماس مباشر مع المشاهد العنيفة والأحداث الإرهابية المؤسفة، تشكّل لدى بعضهم سلوك عنيف ترجمته حالات كثيرة بعضها ذكر سابقاً، وهو ما يفسره الدكتور مهند إبراهيم، مدرّس علم نفس الطفل في جامعة البعث، بأن الطفل يتعلّم العنف بالقوة من خلال ما تفرزه الأحداث على الأسرة والمجتمع على حد سواء، وهنا لابد من القول بأن الأكثر تضرراً من انعكاسات هذه الأزمة بكل أبعادها هم الأطفال، ولتوضيح هذا الأمر نقول: “إن أنماط التعلّم الإنساني عند الأطفال تحدث من خلال الملاحظة، والتقليد، والمحاكاة، حيث تتميز مرحلة الطفولة بكونها مرحلة حساسة وحرجة للغاية، فالطفل تتشكّل لديه بداية أنماط الشخصية التي سيكون عليها في المستقبل، ومعظم الأطفال يكتسبون نماذج السلوك من خلال ملاحظة ومتابعة أفعال وسلوكيات الراشدين في الوسط المحيط بهم، وهذا الأمر ينطبق على تعلّم السلوك العدواني عند بعض الأطفال السوريين من خلال الواقع والإطار البيئي المحيط بهم، فالأطفال بقصد أو دون قصد يكتسبون نماذج من السلوكيات العدوانية: (القتل، حمل السلاح، الشتائم، العنف، الدم.. إلخ)، من خلال ملاحظة أعمال الكبار العدوانية، إضافة لملاحظة النماذج الرمزية التي يعرضها التلفزيون من خلال مشاهد العنف المكثفة، وهنا لابد أن نضيف بأن تأثير الجماعة والآخرين على اكتساب السلوك العدواني يبدأ بمجرد حدوثه أمام الطفل مثال: (رؤية طفل لمسلحين يقتلون ثم يبدؤون بالتكبير، ومظاهر الفرح تبدو عليهم، الأمر الذي يعزز هذا السلوك عند الطفل)، ويوضح د. إبراهيم: دون أدنى شك فإن التعزيز الإيجابي المستمر لتلك السلوكيات المنحرفة سيحوّلها إلى نوع من العادة الملازمة لشخصية الطفل، الأمر الذي سيخلق شخصية مهمشة ومضطربة نفسياً وانفعالياً واجتماعياً في المستقبل، وبالتالي قد تلجأ إلى السلوك غير السوي (المضاد للمجتمع) كالسرقة، والتمرد، والعصيان، والجريمة، وتعاطي المخدرات.
توصيات وقائية
ويذكر د. إبراهيم بعض النصائح والتوصيات للوقاية من دخول العنف في عالم الطفل بالعمل على تقوية دور الأسرة وفاعليتها، فهي من تحمي الأطفال من العنف وسوء المعاملة، ويجب هنا نشر الوعي بين الآباء والأمهات حول المشاكل الصحية، والنفسية، والاجتماعية التي يتعرّض لها أطفالهم جراء التعرّض للعنف، كما ينبغي العمل على تشجيع الأطفال على التعبير عن مشاعرهم، وطرح مشاكلهم، وبيان ما يعانون أو يخافون منه، وتحقيق التكامل بين دور المدرسة ودور الأسرة من أجل التخفيف من آثار العنف، وبناء شخصية الطفل بما يحقق التوافق النفسي والاجتماعي، ويختم بالحديث عن ضرورة زيادة البرامج التثقيفية والترفيهية المناسبة والهادفة لكل الفئات العمرية التي يمر بها الطفل، وتلبية احتياجاته ما أمكن، والعمل على تعزيز السلوك السليم، فيبتعد عن عالم الجنوح والإجرام، ويكون أداة نافعة في مجتمعه ووطنه.
محمد محمود