عبـــد الحميـــد فيــــاض يرسم وحشية هذا الزمن
لا يعترف الفنان بعدالة الأشياء وترتيب أقدارها بقدر ثقته أن هناك ما يستحق الدفاع عنه حتى يصبح قيمة، فلا عدالة بلا قيمة تمنحها الحياة للكائنات التي تواجه مصيرها القاسي أمام هذا الفزع والخوف الذي يجتاحنا، فالحياة هي اللوحة الحلم واللوحة المعبأة بمفرداتها الكافية لجعل كل شيء ممكناً وإن كان عارياً في البرد، هذه المصائر التي يواجهها عبد الحميد فياض يدفع بها عبر أدواته من لون وخط وازدحام في العاطفة أمام الصورة التي تتجلى على قماشته البيضاء حشداً صارخاً ومقولة بليغة المعنى أمام غربتنا التي يتوقعها لنا هذا الفنان العالي الصوت، والذي يأخذنا في مساحة دمه الحار إلى قراءة ما يتوقع لنا من مصير فجائعي وقبيح أمام مقدمات ذبح الإنسان لوردة أخيه، طمعاً وجشعاً في احتلال ما تبقى من هواء وماء ووطن جميل، هذا الناقوس الخطير الذي يدقه الفنان فياض في وجه هذا العالم الدموي، حيث لا رحمة إلا لقوي يفرضها على بلاطة العقل الجديد للبشر المولعين بالنهم واستباحة هوية الإنسان وقيمته على هذه البسيطة، ربما الفن هنا مرآة الخطر التي نرى فيها ذاتنا وأجسادنا بقمصاننا الداخلية االملطخة بالشهوات، عراة جداً من الضمير ومولعين بالمال والخيانات والسياسات المدمرة لحدود الحق والجمال.
قد يقول البعض أن هذا التجريب من الفنون أضحى مألوفا ولن يحدث أي تغيير في سياق المعرفة لهذا الكون أكثر مما هو علية من قبل خاصة في مجال الفنون البصرية والتشكيلية, وقد قدم العديد من الفنانين أعمالا عظيمة صورت بشاعة الواقع وأدانته أمام العالم، فلا الواقع تغير ولا القبح انتهى، ولا بد من أدوات تتناسب مع واقع الفداحة المعاشة في ضمير الفنان، هنا كان لا بد من هذا الصوت العالي الذي يمثله عبد الحميد في معرضه الذي افتتح مؤخراً في صالة فاتح المدرس للفنون الجميلة بدمشق، ليؤكد أن الفنون تنتصر وتقاوم وأن الحياة تستحق هذه المسيرة الطويلة من الشهداء وعشاق النهار، وأن هناك ما هو ممكناً وموازياً لروح البلاد ونيسان الذي أطلت بشائره نصراً وعطراً.
أكسم طلاع