لغز استهلاكي..!
قد نستطيع تفهم ظاهرة انتشار السلع الكمالية بأسواقنا خاصة تلك الموجهة بالأصل إلى الشريحة المخملية..!.
أما تربع الفواكه الاستوائية على واجهات أسواقنا الشعبية فهو لغز يحتاج إلى تفسير، لاسيما في ظل ارتفاع مستوى التضخم وانخفاض القوة الشرائية للدخل..!.
ولدى محاولتنا تفسير هذا اللغز نجد أنه ثمة عوامل مهدت الطريق لهذه السلع وتواجدها اللافت في معظم أسواقنا..!.
أولها التراخي المريب للأمانات الجمركية وعجزها عن سد منافذ التهريب، خاصة مع تأكيدات وزارة الاقتصاد والتجارة الخارجية بعدم منح إجازات استيراد للسلع والمواد الكمالية وكذلك للفواكه الاستوائية، بعد اعتماد الآلية الجديدة لمنح موافقات وإجازات الاستيراد..!. وهنا لا نبرئ تواطئ السواد الأكبر من الجمركيين مع رواد التهريب ورموزه لتسهيل عبورها عبر المنافذ الحدودية..!.
ويرتبط ثاني هذه العوامل بالقوة الشرائية لدى العديد من الشرائح المصنفة في خانة “محدودي الدخل”، إذ كيف تنساب هذه السلع في أحياء هؤلاء لو لم تكن تلقى إقبالهم عليها..؟.
أي أنه ثمة يسر مالي لديهم على عكس ما يشاع..!. وهذا ربما له علاقة بشكل أو بآخر بقنوات تدر عليهم دخولاً قد تكون مشبوهة ومنبعها الأساسي المصادر الكبرى لتجار الأزمة..!.
أما ثالثها فهو إما تراخي أجهزة حماية المستهلك عن قمع مثل هذه المخالفات، أو أن عدد عناصرها ليس كافياً للإحاطة بأسواقنا المحلية..!.
يضاف إلى ذلك وجود بيئة مهيأة لتقبل ثقافة استهلاكية غريبة عن عاداتنا، ولا نستبعد هنا وجود من يتربص بها للترويج لأنماط تفكير يتقنها مسوقو مواقع التواصل الاجتماعي، لتسهل على صانعيها تسييس سلوكنا وعاداتنا ضمن إطار يمكنهم من الاستحكام بأسواقنا لتسويق منتجاتهم الاقتصادية..!.
فلعل أول ما تستوجبه مرحلة التعافي لاقتصادنا الوطني هو الاستفادة من دروس الماضي وأخطائه خاصة لجهة الإفراط بتكريس مفهوم وثقافة الاستهلاك على حساب انحسار ثقافة الإنتاج، لأن الإنتاج بالنهاية هو ثقافة مجتمعية أكثر منه منهج معتمد، وكذلك الأمر بالنسبة للاستهلاك..وإذا ما أردنا تعزيز الأول على حساب الثاني، فعلينا العمل باتجاه ترسيخ مفهوم العمل الحر والإنتاج عسى أن تحدث الأجيال اللاحقة خرقاً بمفهوم الاستهلاك العام بحيث يصبح متوازناً مع الإنتاج على أقل تقدير..!.
حسن النابلسي
hasanla@yahoo.com