تدوير الأنقاض.. فوائد بيئية واقتصادية.. ودخول مباشر في مرحلة إعادة الإعمار
لم يعد من المبكر على الإطلاق الخوض مجدداً في تفاصيل ملف إعادة الإعمار، والبحث في متطلباته المختلفة، والعمل على وضع خطط تقييم شاملة ترصد حجم الدمار، والكلف التقديرية لإعادة النشاط العمراني والعمل، فتجاوز كل التفاصيل المحزنة التي خلّفها الإرهاب والحرب في مدن وبلدات عديدة، وخاصة في دمشق وغوطتها التي حسم ملفها تقريباً بعد نجاح العمليات العسكرية للجيش العربي السوري، وهو ما سيوفر بالضرورة للباحثين عن فرص استثمارية في هذا الملف البيئة المناسبة للبدء في العمل، وسيساعد جو الأمان الذي تحقق بعد خروج التنظيمات المسلحة في تسريع وتيرة الإنجاز، لكن ربما يكون التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة هو التعامل مع ملف الأنقاض وترحيلها، خاصة في ظل بروز أفكار هندسية عديدة للتعامل مع هذا الملف، ووجود شركات متخصصة تعمل على الاستفادة من هذه المواد مجدداً، وإدخالها في ملف إعادة الإعمار.
بنك معلومات
وربما يكون من المهم العمل على تنظيم بنك معلومات شامل لمختلف المناطق وما تحتاج إليه، فلا تتوفر عند معظم الجهات الرسمية التي قمنا بزيارتها إحصائيات دقيقة للمناطق المتضررة حتى الآن، تؤكد نقابة المهندسين هذه الحقيقة، وتبررها بنتيجة استمرار المتغيرات، ولكن النقابة توضح أنها تتواصل مع الجهات المختصة في هذا المجال، وتعمل على إنجاز ملفات عدة مع الجهات المعنية، مثل وزارة الأشغال العامة، ووزارة الإسكان والمرافق، في المقابل تؤكد بعض الشركات المتخصصة، مثل الشركة العامة للدراسات والاستشارات الفنية، أنه توجد لدى معظم الجهات الحكومية، كل على حدة، إحصائيات مختلفة عن الأماكن المتضررة، إلا أنها تعتبر إحصائيات أولية ومنقوصة، لأن المناطق والمنشآت كانت مستمرة بالتضرر، كما أن أغلبية الإحصائيات ترتبط بالمنشآت الحكومية، ولا توجد إحصائيات قابلة للذكر، فيما يخص المنشآت والمشيدات الخاصة، ولا تستند إلى أسلوب هندسي موحد، فمعظمها يعتمد على التقديرات المالية للكلفة أكثر منها كمعايير وقيم إحصائية فنية، وترى الشركة أنه للوصول إلى إحصائيات وقيم جيدة ومفيدة يجب إطلاق خطة عمل متكاملة على المستوى الوطني تكون موحدة المنهجية والمعايير الفنية في تقييم وتصنيف أنواع الضرر ومستوياته، وبالتالي تحديد الكلف الأولية على المستويات المحلية، وعلى المستوى الوطني، وصولاً إلى بنك معلومات إحصائي شامل.
مساهمات مختلفة
في المقابل يبدو أحد أهم الأسئلة الملقاة على طاولة المناقشات المتداولة في مرحلة إعادة الإعمار هي إدارة الأنقاض الناتجة عن الحرب، حيث سبق أن أجريت نقاشات ولقاءات وندوات عديدة بحثت هذه المسألة في إطار الاستعداد للتحديات المقبلة، وخاصة من وزارة الإدارة المحلية التي قدمت سابقاً مجموعة من التوصيات اللازمة بخصوص إدارة الأنقاض وتدويرها ليتم رفعها إلى لجان إعادة الإعمار المختصة، واعتمادها كدليل إرشادي في المرحلة المستقبلية، والتعاون مع برنامج الأمم المتحدة لإدارة النفايات الصلبة، وذلك من خلال تقديم الدعم الفني من قبل خبراء البرنامج، والاستفادة من التجارب الدولية في هذا المجال.
مشاركون آخرون يفترض أن يكونوا أحد المكونات الرئيسية في عملية إعادة الإعمار، وهم طلاب فروع الهندسة بالاختصاصات المختلفة عبر رؤى خلاقة تنبض بدماء الشباب وأفكارهم الجديدة بحثاً عن أدوار منتظرة من هذه الفئات، نقصد عميد كلية الهندسة المعمارية الدكتور سلمان محمود، فيتحدث عن قيام الكلية باستمرار بطرح مشاريع تلامس مرحلة إعادة الإعمار (ما بعد انتهاء الأزمة) للطلاب، فتهتم مثلاً بطرق تصميم السكن الانتقالي والسكن المؤقت (سكن الإيواء حالياً)، ويمكن ملاحظة أن معظم مشاريع تخرج الطلاب تلامس متطلبات الواقع، وفي المقابل تتعاون الكلية بشكل حثيث مع معظم الجهات العامة، وفي الكثير من الأحيان تتبنى بعض هذه الجهات مشاريع الطلاب كأفكار أولية، ويتم تطويرها، ويمكن أن تنفذ.
إدارة أنقاض
وبحثاً عن معلومات أكثر تفصيلاً، وعن الاستراتيجيات المتبعة عالمياً لإدارة الأنقاض وإعادة تدويرها واستخدامها، قصدنا مدير المعهد التقاني الهندسي الدكتور ماجد أسعد، فأوضح لنا أن فكرة تدوير المواد تنسجم مع استراتيجية في الدولة، تسمى التنمية المستدامة، وهي أفكار موجودة عالمياً، وكان التوجه بشكل أساسي لهذا الموضوع، أي استخدام الهدم الناتج عن المباني بعد الحرب العالمية الثانية نتيجة الحرب أو الدمار أو المخططات التنظيمية أو تجديد المدن، وظهرت الفكرة بشكل أساسي في ايطاليا، كما تطورت بشكل ملفت في الصين، وكان التوجه العلمي بإعادة استخدامها في الاستخدام نفسه وهو البناء، وفي أوروبا هناك اتجاه اليوم لأن تصبح هذه الصناعة شعبية بإعطاء حوافز لكل من يقوم بتدوير هذه الأنقاض كتقديم إعفاءات معينة لشخص يستطيع إقامة منشأة من مواد مدورة، وهي تقنية يمكن أن توفر أيضاً فرصاً للعمل، أما في الواقع السوري فإن سورية بدأت باكراً بطرح أفكار إعادة تدوير الأنقاض منذ عام 2000 خاصة بعد وضع المخططات التنظيمية لتنظيم أماكن العشوائيات في مدينة دمشق وما حولها نتيجة ظهور أنقاض كثيرة، ولكن كان هذا الأمر اختيارياً، أما في الظروف الحالية، ونتيجة اتساع البقعة الجغرافية للدمار بنتيجة الحرب الكونية على سورية في كل محافظات القطر، فلابد من الاستفادة من التطبيقات الموجودة عالمياً بخصوص هذه الأنقاض، وإعادة تدويرها واستخدامها.
فوائد بيئية واقتصادية
الدكتور أسعد، تحدث عن منعكسات إيجابية وفوائد اقتصادية وبيئية كثيرة يمكن أن يحققها الاستخدام المستقبلي لتدوير الأنقاض في مرحلة إعادة الإعمار، فمواد البناء عادة ما يتم استجرارها من مقالع قريبة، وهذا يتطلب سيارات نقل، إضافة للأثر البيئي السلبي، وهنا ستكون الأنقاض بديلاً عن المقالع، وهذا يحمي البيئة من جهة، ومن جهة أخرى فالأنقاض إن لم تستخدم ستكون مشكلة على مستوى استراتيجي وطني، فنحن بحاجة لسيارات وطرق نقل ومكبات لترحيلها، وهذا نزف لأموال وطنية، ويكمل: في أعوام مضت انعقدت ندوات وورشات عمل كثيرة بالتعاون بين رئاسة مجلس الوزراء وهيئة البحث العلمي بالإضافة لجامعة دمشق، ناقشت سبل استخدام هذه الأنقاض، وطرحنا مجموعة أفكار تحاكي استخدام الأنقاض عالمياً بعد طحنها وفرزها واختبارها للتحقق من جودتها في بناء الطرق، أو جسم الطريق، واستخدامها في المجبول الإسفلتي، وفي أعمال البنية التحتية، كالأرصفة، وممرات الأقنية، والجدران في الأماكن العامة، وحتى في إعادة البناء نفسه من خلال تصنيع القواطع الداخلية (البلوك)، وحتى الحديد هناك آلات خاصة لإزالته، وإعادة صهره، واستخدامه مجدداً، وهو ما تم العمل فيه عبر أبحاث عدة بجامعة دمشق، لكن الفكرة المهمة التي أكد عليها أسعد هي ضرورة أن تخضع هذه العملية لإدارة ورقابة فنية عالية الدقة لتحديد نوع الركام الذي يمكن تدويره، فشكل الأنقاض ومواصفاتها يختلف من منطقة إلى أخرى، ومن بناء إلى آخر، ويؤكد د. أسعد وجود آليات ومعدات خاصة بعملية إعادة طحن وفرز هذه المواد من مطاحن ومكاسر، وهي موجودة بأحجام مختلفة عالمياً، ويمكن استيرادها، ويختم: استخدام الأنقاض نظام متكامل لم يبدأ بعد في سورية، ولم تتوفر لدينا معطيات على المستوى الشخصي عن البدء بتنفيذ هذه الأفكار، وهو قرار استراتيجي على مستوى المؤسسات المعنية يجب اتخاذ اعتماده كضرورة، فهناك ملايين الأطنان من الأنقاض، وهي كميات ليس باليسير أو السهل التعامل معها.
محمد محمود