بعث بربيع يشبهنا…
لم تكن انطلاقة البعث العربي من دمشق الفيحاء قبل واحد وسبعين عاماً، مجرد مصادفة سياسية اقتصادية اجتماعية، أو طفرة فكرية طارئة، ولا حتى ترفاً أيديولوجياً، بل جاءت بعثاً حقيقياً، بعد مخاضات تاريخية مؤلمة مرت بالأمة العربية، مخاضات كل واحدة منها كانت كافية لإطفاء أية شعلة حضارية تنويرية، من شأنها النهوض بهذه الأمة ليكون لها ما تستحقه من مكانة تحت الشمس وبين الأمم.
والأهم أنها كانت من صميم الألم وجذور هذه الأرض، وأفئدة أبنائها المتعطشة للحياة والحرية.
أرض لم ولن تستطع المظلمة عقولهم وقلوبهم، محو غنى وثراء حضاراتها وعلومها وثقافاتها وإبداعاتها، الممتدة آلاف السنين، فمن أهدت للبشرية الأبجدية الأولى واللحن الأول والمحراث الأول وحبة الحنطة الأولى، وكانت تقدم للعالم سنوياً ربع اختراعاته..، لهي اليوم تهديه أيضاً مستقبلاً جديداً، عبَّدته بعظيم التضحيات ونفيس العقول.
وإن كان لأعداء البعث، سابقين ولاحقين، دأبهم الساعي لموت لهذه الأمة، إلاَّ أن البعث أثبت ويثبت وفي كل مفصل تاريخي مصيري، أنه ولادة مستدامة متجددة، ولا أدل على ما ندعي، بيِّنة ما حدث ويحدث حالياً في سورية، وما أُريد ويُراد لهذا الوطن القائد وهذا القلب والعقل العروبي النابض، من مآل أسود.
بعث أمله الشباب وأمنه الغذائي عرق الفلاحين، ونهضته سواعد العمال، وتطوره العقول المستنيرة علماً وعلوماً، وحماته جيشاً عقائدياً طريقه الشهادة أو النصر، يعني أمة تأكل مما تزرع وتلبس مما تصنع وتنهض مما تخترع.
اليوم ونحن في حضرة ذكرى تأسيس بعثنا، لسنا أمام استعراض لما حققه الحزب على مدار مسيرته النضالية عبر عقود من العمل الدؤوب، بل إن نظرة سريعة لتاريخ البعث وما قدمه وما أحاق به من مؤامرات من التأسيس إلى التثبيت..، تدلل على أنه استطاع بجذوره الأصيلة ورؤاه الحقيقية، أن يجتاز هذه المحن مستنداً على قاعدة شعبية، ثبت أنها الأكثر صلابة في المنطقة والأكثر قدرة على صون قضاياها والنضال في سبيل تحقيق أهدافها.
ولمن ينكر ويشكك نحيله إلى ما كانت عليه سورية عند التأسيس وما وصلت إليه حتى العام 2011، تعليمياً وصحياً وزراعياً وصناعياً وخدماتياً وطاقياً واستثمارياً.
عشرات الآلاف من المدارس والمعاهد والجامعات ومراكز البحوث العلمية، وعشرات الآلاف من المشافي والمراكز الصحية..، ومئات السدود وتوسع الأراضي المروية وتنوع المحاصيل التي نال العديد منها المراتب الأولى على مستوى العالم، وتنام للثروة الحيوانية ومنتجاتها، حتى غدت سورية تطعم أكثر من 300 مليون إنسان.
أما صناعياً فنترك للأسواق الإقليمية العالمية التحدث عن سلعنا ومنتجاتنا، حتى خلال الأزمة، كما تتحدث كهربائنا بمنظومتها التي وصلت لتشمل أكثر من 95% من الجغرافية السورية وتتعداها تصديراً إلى دول الجوار، إضافة لمسيرة مشرفة من الاستثمارات التي شملت مختلف القطاعات والخدمات، ما مكن سورية أن تكون رقماً صعباً مؤثراً، جعلها هدفاً لما نشهده من خريف عربي وغربي استعماري إرهابي.
رقماً سيعيد تشكيل النظام العالمي السياسي والاقتصادي، وهذا الرقم ما كان لولا فكر البعث ونهجه وصموده وتأثيره الكبير، الذي كان سبباً في استهدافه شكلاً ومضموناً ورؤية.
بعثنا اليوم لا يزال في عين العاصفة، وكما أي حزب خلاق، يمرّ بحالات من التراخي نتيجة لبعض الانتهازيين والمناوئين في صفوفه..، وهو أشد من أي وقت مضى، مطالب ببعث جديد يتسامى لمكانة ما قُدم من تضحيات وأثمان، ويرتقي لما تأمله جماهيره منه..، لقد حان الوقت لولادة حزبية نيسانية مختلفة بربيع سوري يشبهنا، نقي في زهره وعطره مليء بسنابله.
قسيم دحدل
Qassim1965@gmail.com