طاقة إيجابية
يدرك أبناء حلب جيداً وهم على الدوام منشغلون ومنهمكون حتى في أوقات فراغهم وفِي ظروفهم العصيبة في ترتيب وتنظيم أوقاتهم وأوضاعهم وأعمالهم أن الطريق الوحيد لكسر الحواجز وكسب الرهان يتمثل في قبولهم التحدي وعدم الاتكاء على إنجازات الماضي، وترجمة آمالهم وتطلعاتهم إلى عمل ميداني دؤوب ملموس ومحسوس كمخرج ومنقذ لهم من حالة الركون والتململ التي فرضتها قسراً ظروف الحرب الإرهابية، إيذاناً ببدء مرحلة وحقبة جديدة عنوانها ( إرادة الحياة ).
ولعل ما تشهده حلب (مدينة وريفاً) من أنشطة وفعاليات ومهرجانات يومية، ومعارض، وتدشين العديد من المشاريع الهامة، ووضع حجر الأساس لتنفيذ المزيد من المشاريع الخدمية والتنموية، يوحي أن المشهد الحلبي بات أكثر نضوجاً ووضوحاً وسطوعاً، ونال العلامة الكاملة في امتحان التحدي وفِي سباق الجولة الثانية نحو اعتلاء منصة التنمية والإنتاج.
ومن المؤكد أن السباق الذي نشهده اليوم اختلف عن سابقه في الكثير من شروطه ومعاييره وعلاماته، وفِي أركانه ومكوناته وعناصره ومسافاته وحتى في جوائزه وأوسمته، وتكمن أهميته وحرارة منافسته أن الجميع يحرص على تحقيق الفوز والوصول إلى خط النهاية بنجاح، وهو ما يعزز من الحالة التنافسية الإيجابية والتشاركية في العمل، والتعاطي بروح المسؤولية الوطنية مع ما تتطلبه وتحتاج إليه المرحلة الراهنة والقادمة من استنهاض حقيقي للهمم وتوظيفها بالشكل الأمثل بهدف تسريع عجلة التنمية والإنتاج، وبما يسهم في تحقيق الاستقرار المجتمعي والنهوض الاقتصادي الحقيقي لتدعيم مكانة وثقل حلب كرافع وحامل للاقتصاد الوطني.
ونعتقد أن ارتفاع مؤشر التبادل التجاري وإعادة تأهيل وتفعيل أسواق حلب القديمة تباعاً والتي كان آخرها سوق ( خاير بيك ) للأقمشة والبدء جدياً بخطوات مماثلة لتفعيل الوسط التجاري يشكل خطوة مهمة على مستوى تحقيق التوازن في السياسات الاستراتيجية، وفِي الرؤى والخطط والبرامج والمشاريع المكملة والمتممة لعملية الإعمار، والتي بدأت ملامحها تبرز كعلامة فارقة في المشهد الخدمي المتنامي، وفِي حركة دوران القطاعين الصناعي والسياحي اللذين يشكلان المحرك الأساسي والعمود الفقري لحالة النمو والنهوض يماثلهما في الأهمية والأولية توفير مستلزمات وأدوات عودة الورش الحرفية الصغيرة والمتوسطة إلى سوق العمل والإنتاج لخلق المزيد من فرص العمل وإشباع السوق بالمنتج الوطني وبالأسعار المنافسة والملائمة.
وفِي الأهمية ذاتها نجد ضرورة تعميق وتعزيز ثقافة العمل التشاركي الذي أنتج حالة مجتمعية فريدة في شكلها ومفهومها التضامني والتكاملي، وأعط أنموذجاً يحتذى في البذل والعطاء وترك مساحة واسعة من الأمل والتفاؤل، وهو شكل آخر من أشكال التحدي الذي ولد طاقة إيجابية مضاعفة لدى أبناء المدينة للمساهمة في إعادة إعمارها وتعافيها.
ما يمكن تأكيده في ضوء كل هذه المعطيات الإيجابية والخطوات الجادة والمتسارعة على مختلف الصعد أن حلب باتت قاب قوسين من الوصول إلى نهاية السباق منفردة لترتدي مجدداً ثوبها الحريري ولتستعيد ألقها ونضارتها وفرادتها وبياضها.
معن الغادري