“تجربة الحزب خلال سبعة عقود” في محاضرة بقدسيا دخل الله: البعث تعامل بمرونة إيديولوجية مع المستجدات
ريف دمشق- صلاح الدين إبراهيم:
شدّد الرفيق الدكتور مهدي دخل الله عضو القيادة القطرية للحزب– رئيس مكتب الإعداد والثقافة والإعلام على أن حزب البعث العربي الاشتراكي تعامل بمرونة إيديولوجية مع المستجدات والأحداث، ومرّ بمراحل متمايزة، وهذا التمايز الإيديولوجي كان ضرورياً من أجل البقاء والاستمرار، موضحاً أن الحراك الحزبي في أي بلد يعبّر عن حيوية الشعب، الأمر الذي يتطلّب من الأحزاب أن تلائم إيديولوجياتها مع المعطيات الموضوعية لمجتمعاتها بما ينسجم مع الثقافة والإرث الحضاري والموقع الجغرافي لبلدها.
وأوضح الرفيق دخل الله في محاضرة بعنوان “هل نجحت تجربة الحزب خلال سبعة عقود” ألقاها أمس في المجمع التربوي بضاحية قدسيا: أردت أن يكون عنوان محاضرتي سؤالاً إشكالياً من أجل التحريض على التفكير دون مواقف مسبقة، مؤكداً أنه في مناهج دراسة الظواهر السياسية هناك منهج “نظرية المسافة” والتي يفترض أن يكون الباحث على مسافة معينة من موضوع البحث، وأن يتخلّى عن عاطفته وموقفه السياسي وعدم انحيازه إلى ظاهرة ما، وهذه المسافة تتطلب أن يكون منهج الدراسة أو التفكير نقدياً، يفصل الظاهر عن الجوهر، والجوهر أساس المعرفة، لافتاً إلى أن المشكلة هي في الإجابة المسبقة.
وتساءل الرفيق دخل الله: هل نجحت تجربة البعث أم فشلت؟، فمن يجيب أنها نجحت، يستدل على ذلك بأن الحزب له دوره ومستمر في سورية على الأقل، ولا تزال له شعبيته، وأن الحزب خرج من صفوفه قائدان تاريخيان هما حافظ الأسد وبشار الأسد وتجربتهما مستمرة، ولو كانت تجربتنا فشلت لما شُنّت حرب على سورية بسبب مواقفها القومية والوطنية، يضاف إلى ذلك أن سورية انتقلت من دولة تتحكّم بها الدول في الخمسينيات، وتحولت بعد عام 1963 إلى دولة محورية فاعلة. وأشار إلى أن أهم المعايير يطرحها المنهج المقارن، وقال: لو فرضنا أن الحزب لم يحكم سورية، ما مصير سورية؟، المؤكد أنها ستكون دولة بلا سيادة اقتصادية أو سياسية، متسائلاً: هل يقبل الشعب السوري هكذا ذل؟.
وأضاف: إن أزمة الأحزاب في العالم وحزبنا جزء من هذا العالم تتمثّل بالتراجع الفعلي لدورها، وخاصة التقليدية منها والتي فقدت جزءاً كبيراً من مدّها الجماهيري كونها بقيت محتفظة بالنص من دون محاولة إعادة قراءته بما ينسجم مع المتغيرات الطارئة محلياً وإقليمياً، معتبراً أن محافظة الأحزاب على تقاليدها الإيديولوجية المطلقة لن تساعدها على الخروج من أزمتها، لكن البعث كان يتعامل بمرونة ويرسم متطلباته على أساس الواقع وليس على أساس النص، لأنه مرّ بمراحل إيديولوجية متمايزة، وهذا التمايز كان ضرورياً من أجل الاستمرار، ومرونة الحزب جعلته يسير وفق الحاجات الشعبية، مؤكداً أنه بعد الحركة التصحيحية لا نصّ مقدساً، لذلك عدنا إلى النظام الدستوري والائتلاف الوطني، وكل حزب يأخذ دوره حسب حجمه، وبنيت ديمقراطية شعبية، والحلول البنيوية كانت تختلف عن الحلول البنيوية في أوروبا الشرقية ومنطلقها كان المنطلق الوطني وليس الطبقي، بمعنى أن المسألة الوطنية تتقدم على المسألة الطبقية وخاصة أننا في عصر الانطلاق التنموي، بدليل أن اقتصادنا أكبر قسم منه مسيطر عليه القطاع الخاص، فمثلاً 95% من إنتاجنا الزراعي للقطاع الخاص، و90٪ من التجارة الداخلية قطاع خاص، أما الصناعات التحويلية ففي السبعينيات والثمانينيات كانت 40% للقطاع الخاص و60% للعام، أما في التسعينيات فقد انعكست وأصبحت 60% للخاص و40٪ للعام، والسياحة كذلك كان فيها وجود هائل للقطاع الخاص رغم أن شكل الدستور ديمقراطي شعبي وخاصة المادة الثامنة منه، لكن بنية الدولة في الحقيقة كانت وطنية وليست طبقية، أي إن مشكلة الملكية الخاصة أو ملكية وسائل الإنتاج عولجت في سورية بعكس ما تعالج في الدول الديمقراطية الشعبية، والأهم من ذلك كله أنه في عام 2012 ومع بداية الحرب على سورية خرج نظام سياسي جديد من لدن البعث مناقض للنظام السياسي الذي قبله ولكن مبنيّ عليه، بمعنى أنه عندما تنتهي صلاحيات نظام سياسي فذلك ليس لأنه سيئ بل لأنه نظام جيد أوصلنا إلى المرحلة القادمة، وإذا كان لدى الحزب القدرة على التغيير فلكي تدفع للاستمرار وإذا بقينا متمسكين بالقديم الذي انتهت صلاحياته سيأتي من يأخذ مكانك، فالمرونة الإيديولوجية أساس استمرار البعث كحزب الأهم في سورية، وخاصة أنه يأتلف مع قوى وطنية بما فيها من أحزاب معارضة ومستقلين، وهذا التغيير في عهد الرئيسين حافظ الأسد وبشار الأسد يتمّ دون صدمة وتلقائياً ودون عنف أو تحول إجباري، مشيراً إلى أن على الأحزاب تغيير نهجها الإيديولوجي والعقائدي ولاسيما في مراحل مفصلية في تاريخ مجتمعاتها، بحيث تكون قادرة على تعبئة الجماهير والتعبير عن رؤاها وأهدافها ومصالحها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
حضر المحاضرة الرفيق رضوان مصطفى أمين فرع ريف دمشق للحزب.